كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
معمل سلعاتا. عنوان صراع ممتدّ منذ عام 2010 ولا يزال. يشتد أحياناً ويخبو حيناً. تحوّل هذا المعمل إلى أسمى أهداف العونيين. اليوم يتجدّد الموعد بعد أن ردّ رئيس الجمهورية القرار الذي يستثني ذلك المعمل من المفاوضات مع الشركات العالمية. هل يتراجع حلفاء التيار أمام ضغوطه، أم يمضون في قناعتهم بأن هذا المشروع ليس أولوية؟
على اللبنانيين أن يصدّقوا أن الطريق إلى كهرباء 24 على 24 لا يمر إلا عبر معمل سلعاتا. هذا ما قاله وزير الطاقة ريمون غجر في إطار سعيه إلى استدراك الفشل في الدفاع عن معمل سلعاتا في جلسة 14 أيار الجاري. في تلك الجلسة، لم يقل أحد إنه لا لزمة لهذا المعمل. ما نصّ عليه قرار مجلس الوزراء حرفياً هو «تطبيق الخطة بدءاً من الزهراني واستكمالاً لها بحسب الخطة». مرتان ذُكرت الخطة التي أقرها مجلس الوزراء في عام 2010 وعدّلها في عام 2019. وهي في الحالتين، تتضمن معمل سلعاتا، الذي يفترض إنجازه بعد معملَي دير عمار 2 والزهراني.
تلك الفرضية حسمها مجلس الوزراء الحالي. وهو ما لم يرق لباسيل. شدّ العصب العوني باتجاه حزب الله، بالرغم من أنه لم يكن وحيداً في رفض تلازم العمل في معملي سلعاتا والزهراني. أُطلق العنان لنزعة طائفية، تعتبر أن معمل سلعاتا ومحطة الغاز هناك هما حصة «الكانتون المسيحي»، مقابل حصّتي «الكانتونين» الشيعي (الزهراني) والسنّي (دير عمار). هنا سقطت كل الاعتبارات العلمية أو التقنية أو المالية. الأمن الطاقوي للطائفة أهمّ. يقول مصدر معني إن هذا ربما يفسر سبب تركيز الجهود على معركة سلعاتا، وهي تفصيل صغير في الخطة، بدلاً من الدفاع عن الخطة بكاملها. لكن مع ذلك، يرى مصدر آخر أن الأمر، وإن أُلبس لبوساً طائفياً، إلا أنه ربما يكون أضيق من ذلك. لو كان الأمر كذلك لاستُعيض عن معمل سلعاتا بمعمل الزوق. لكن أن يُبنى في سلعاتا معمل كهرباء ومحطة غاز ومرفأ ما بينهما، فذلك يمكن أن يكون مشروعاً بترونياً لباسيل، لا أكثر.
لا يعير العونيون أهمية لهكذا تحليلات أو تكهّنات. يمضون في قرارهم «عدم النيل من حصتهم». لكن مع ذلك فإن خطة الكهرباء، التي كتبتها أيادٍ عونية، تشير إلى أن عام 2019 هو عام بدء العمل بمعمل دير عمار 2، على أن يوضع 360 ميغاواط منه على الشبكة في العام المقبل. وتلك الخطة تشير أيضاً إلى أن العام الحالي سيشهد وضع 400 ميغاواط على الشبكة من مصادر متجدّدة (الشمس والهواء). لم يخرج أي مسؤول، قبل الدفاع عن مشروع لم يحن وقته بعد، ليعلن أين أصبحت تلك البنود من الخطة. سلعاتا ليس أمراً طارئاً، بحسب الخطة، وكان يفترض أن يبدأ بالإنتاج في عام 2022. تأخير كل البنود التي سبقت تفرض تأجيل سلعاتا أيضاً، لكن العونيين لم يعودوا يرون سوى سلعاتا.
وزير الطاقة، سبق أن برّر القرار الوزاري بالقول: ليس مهماً متى يبدأ العمل بالمعمل، بل الأهم متى ينتهي العمل به. أراد أن يقلل من أهمية عدم إشارة القرار الحكومي إلى المعمل المذكور، قبل أن يخرج النائب جبران باسيل مفتتحاً معركة سياسية عنوانها: معمل سلعاتا أولاً.
ماذا بقي من خطة الكهرباء؟
في الوقت الحالي، ليس لبنان بحاجة إلى أكثر من 3000 ميغاواط حتى يضمن كهرباء «24 على 24». هذا يعني أن المطلوب هو ألف ميغاواط إضافية. في العام المقبل، وبعيداً عن الحل المؤقت الذي كان مُقترحاً في الخطة لتأمين 1450 ميغاواط، كان يُمكن، ضمن الحل الدائم، تأمين 760 ميغاواط. حكماً لن يتحقق ذلك. وهنا لا يمكن التحجّج بالعرقلة السياسية التي منعت قبل 5 سنوات، البدء بتنفيذ معمل «دير عمار 2» (حينذاك، عرقلت حركة أمل المشروع، بذريعة الخلاف على الجهة التي ستدفع الضريبة على القيمة المضافة). «دير عمار2» عاد وأُقر في مجلس الوزراء، بشكل جديد، لكن لم تعلن وزارة الطاقة، بالرغم من مرور سنتين على إقراره، ما الذي يؤخر تنفيذه. والأمر نفسه يسري على مشروع «هوا عكار» الذي أقره مجلس الوزراء أيضاً.
في الأساس، ألا ينمّ النقاش في مسألة سلعاتا عن ترف سياسي لا يملكه اللبنانيون؟ في زمن الانهيار واختلاف كل الأولويات لا يزال النقاش السياسي معتمداً أدوات ما قبل الأزمة. قوة التيار بتوقيع رئيس الجمهورية. هذا واقع يلغي حقيقة أن مجلس الوزراء يصدر مقرّراته بالإجماع أو بالتصويت. رفض رئيس التيار الوطني الحر القرار المتعلق بالكهرباء، فاستعان رئيس الجمهورية بحقه الدستوري لرد المرسوم، مطالباً بعدم استثناء معمل سلعاتا في التفاوض مع الشركات الدولية. وزير الطاقة يقول إن شركات مهتمة ببنائه أكثر من غيره.
إلى مجلس الوزراء مجدّداً
ما العمل اليوم؟ ماذا سيكون موقف من صوّت ضد المعمل، أو بشكل أدق، ضد بدء العمل به فوراً عندما يُعاد طرح الأمر للنقاش على خلفية رد رئيس الجمهورية للمرسوم؟ رئاسة الحكومة ووزراء حزب الله وحركة أمل والمردة؟ من بين هؤلاء من يعتبر أن موقف التيار غير مبرّر على الإطلاق وهو لا يندرج إلا في سياق المزايدات الطائفية. يوضح مصدر مطّلع على مداولات مجلس الوزراء أن القرار لم يلغ معمل سلعاتا، بل على العكس هو أكد عليه، في سياق إشارته إلى خطة الكهرباء. لكن رأي الأكثرية كان يشير إلى البدء بمعمل الزهراني. مطلعون على رأي حزب الله يؤكدون أن الأخير ليس ضد معمل سلعاتا في الأساس، لكنه يؤيد تأجيله. القطبة المخفية هنا، وربما تكون سبب الهبّة العونية، هي أن الحزب المؤيد لمعمل سلعاتا، يُعارض إنشاء محطة تغويز في تلك البلدة، لأسباب تقنية ومالية.
مجلس الوزراء لم يُسقط معمل سلعاتا من الخطة بل أجّله
تلك محطة لا يحتاج إليها لبنان أبداً، بشهادة كل العاملين في القطاع. وهي تشكّل كلفة إضافية يجب توفيرها خاصة في هذا الزمن. لكن ذلك لا ينعكس على موقفه من معمل الكهرباء الذي يمكن تغذيته بالغاز عن طريق محطة دير عمار التي لا تبعد أكثر من عشرين كيلومتراً. ذلك موقف لا يتقبله باسيل. في مؤتمره الصحافي الذي تلا تلك الجلسة، اعتبر أن إسقاط المعمل، يهدف إلى إسقاط محطة سلعاتا للغاز، تمهيداً لإعلان فوز شركة «توتال»، حيث وكلاؤها لبنانيون، بمناقصة إنشاء محطتي غاز، بدلاً من شركة قطر بتروليوم التي قدمت العرض الأفضل لإنشاء ثلاث محطات.
إشكالية الاستملاكات
في جلسة ١٤ أيار، استعاد الوزراء الموقف الفرنسي الذي شدّد على إقامة محطتين فقط. أما وزير البيئة والدولة لشؤون التنمية الإدارية دميانوس قطار فاعتبر أنه ليس من داع لفتح ملف الاستملاكات (لإقامة معمل سلعاتا) مجدداً، مشيراً إلى «أننا لسنا في صدد استملاك أراض جديدة، وما دامت هناك محطتان فلنتخذ قراراً بشأنهما».
ببساطة، من يريد كهرباء أوفر وأسرع عليه أن يبتعد عن سلعاتا. في الزهراني ودير عمار البنى التحتية مهيأة لاستقبال معمل جديد، فيما يحتاج إنشاء محطة غاز إلى تجهيزات محدودة. في سلعاتا الأمر مختلف. هناك سيبدأ العمل من الصفر. الإشكال الأكبر يتعلق بملف الاستملاكات. في الخطة الأولى كانت وزارة الطاقة قد اقترحت إقامة المعمل على أرض تملكها كهرباء لبنان في منطقة حنوش الملاصقة لبلدة سلعاتا. هذا في الأساس ما أكد عليه الاستشاري الدولي Mott McDonald، وهذا ما أكد عليه الوزير سيزار أبي خليل، معتبراً أنه الحل الأفضل اقتصادياً نظراً إلى الكلفة العالية جداً للاستملاك في المنطقة.
200 مليون دولار كلفة الاستملاكات في سلعاتا
في عام 2019، استبدلت الوزيرة ندى بستاني شركة Fichtner بالاستشاري، إذ غيّرت الشركة المذكورة جوهرياً في المشروع. نقلت المعمل إلى عقارات في نطاق بلدة سلعاتا تعود ملكيتها إلى «شركة الزيوت ومشتقاتها» ونقلت محطة الغاز من مسافة 500 متر قبالة شاطئ حنوش إلى حوض مرفأ مستعمل من قبل الشركة نفسها. قيل حينها إن من أسباب النقل وجود كنيسة أثرية في الموقع السابق.
تلك الخطوة لم تمر لا سياسياً ولا أهلياً. في مجلس الوزراء لم يبت الأمر طيلة ولاية الحكومة الماضية. فيما عمدت كل من بلدية سلعاتا والشركة المتضررة إلى الاعتراض على قرار النقل الذي لم تتبلغا به ولم يُناقش معهما. البلدية، أصدرت في 13 أيلول 2019 قراراً أعلنت فيه عدم الموافقة نهائياً على إنشاء محطة كهرباء. فيما هدّدت الشركة بتقديم مراجعة إبطال في حال صدر مرسوم باستملاك عقاراتها خلافاً للقانون. هذا يعني أنه حتى لو أُقر المشروع، فإن التنفيذ سيتأخر، لأنه سيكون محكوماً بدعاوى قد تأخذ سنوات.
إشكالية الاستملاك لم تنته هنا. أثناء مناقشة المسألة في اللجنة الوزارية التي شُكلت للغاية في الحكومة الماضية، قدّرت وزارة الطاقة الكلفة بـ207 ملايين دولار. لم تتأخر بستاني حينها قبل أن تعلن أن الرقم خاطئ وأن الكلفة الفعلية لا تتجاوز الـ 30 مليون دولار. بدا ذلك مناقضاً لكتاب مُوجه من كهرباء لبنان إلى وزير الطاقة سيزار أبي خليل، في 28 نيسان 2017، يشير فيه إلى أن الكلفة تصل إلى 207 ملايين دولار.
اقتراح حزب الله
بعد ردّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قرار الحكومة بشأن خطة الكهرباء، والطلب إليها إعادة النظر فيه، وتحديداً لجهة ما يتعلّق بمعمل «سلعاتا» الذي سقط بالتصويت في مجلس الوزراء، تكثفّت الاتصالات بينَ الكتل المشارِكة في الحكومة، وخاصّة بين حزب الله والتيار الوطني الحر. فإعادة طرح الخطة ستنعكس سلباً على مسار الحكومة، ومهما تكُن النتيجة فهي ستأتي لمصلحة طرف ضد آخر. ولكي لا تشكّل النتيجة إحراجاً لرئيس الجمهورية في حال إسقاط الخطة كما قدمها وزير الطاقة، أو كسر رئيس الحكومة في حال خضوع مجلس الوزراء للخطة كما هي مطروحة، نجح حزب الله في إقناع الرئيسين عون وحسان دياب بأن يخرج الأخير في جلسة مجلس الوزراء اليوم ويتحدث عن الخطة، مؤكداً تبنّي ما تقدّم به غجر، من دون أن يدخل في التفاصيل وذكر اسم المعمل، لكن مع الالتزام بطرح تنفيذها على مراحل، آخرها «سلعاتا». وبذلك، يكون كل طرف قد حفظ حقه من دون أن يشكل انكساراً لأحد. هذا الجو كانَ متفقاً عليه حتى منتصف ليل الأربعاء ــــ الخميس، ومن المفترض أن يلتزِم به الجميع اليوم في الجلسة، إلا في حال تراجع أحد عنه، بحسب مصادِر مطلعة على جو الاتصالات.