كتبت كلير شكر في صحيفة “نداء الوطن”:
تعمل الحكومة اللبنانية على فتح اقتصاد البلاد تدريجياً، أسوة بمعظم دول العالم التي قررت مواجهة جائحة كورونا بـ”الكمامات الحية”… ولكن على المجهول. بلغ الوضع الاقتصادي والمالي، الحضيض. أو بالأحرى قعر القعر. والآتي أعظم.
رئيس الحكومة حسّان دياب قال بنفسه عبر مقال نُشر في صحيفة “الواشنطن بوست” إنّ اللبنانيين مقبلون على”أزمة غذائية كبرى” وقد “توقّف الكثير منهم عن شراء اللحوم والفواكه والخضروات”. اذاً هو الجوع يدقّ الأبواب. سيناريوات قد تنبش من الذاكرة مشاهد المجاعة الكبرى التي عاشها اللبنانيون بدايات القرن الماضي، وقد تعيدنا إلى الوراء عشرات السنوات.
أسباب كثيرة تجعل من “ثورة الجياع” قادمة لا محال، ولو بعد حين، طالما أنّ المعالجات الحكومية للحدّ من الانهيار المالي، تدور في حلقة الصراع الاقليمي من جهة، و”صراع البقاء” الذي تمارسه القوى السياسية للحفاظ على مكتسباتها، من جهة أخرى.
خطت الحكومة عتبة المئة يوم من عمرها. لكن الفيروس التاجي سرق الكثير من وقتها ومجهودها، وما تبقى من مخزون ماليّ، في وقت يفترض بها أن تواجه نتائج أزمات عمرها من عمر الجمهورية الثالثة. ومع ذلك، يخرج رئيس مجلس النواب نبيه بري ليواجهها بالدعوة إلى “مغادرة محطة انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية المانحة، والانطلاق بعمل ميداني بعيداً من الخطط والبرامج الورقية لأن المطلوب أعمال أكثر من الأقوال”.
ومع استعادة النشاط الاقتصادي شيئاً من حيويته، وخروج الناس من أماكن حجرهم، ينتظر أن يكون شارع الاعتراض أول المتحررين من قيود التعبئة العامة. خلال الساعات الأخيرة، عادت الدواليب المحروقة لتقفل الطرقات الرئيسية، في أكثر من منطقة، في إشارة واضحة إلى أنّ الأيام المقبلة ستكون ملتهبة لتحتضن جيشاً من الناقمين أو العاطلين عن العمل، ومن شأنها أن تدفع الحكومة إلى خانة “اليكّ”!
في الفترة الأخيرة، صدرت أكثر من دعوة تشجّع الناس على العودة إلى الشارع لتفجير غضبها بوجه السلطة. ولكن مع ذلك، لا يزال التجاوب خجولاً. ثمة من يقول إنّ الحراك الفعلي والمؤثر يحتاج إلى بعض الوقت كي ينضج وتظهر مفاعليه على الأرض، ولذا كل الدعوات التي أطلقت خلال الأيام الأخيرة، هي مجرد “تحمية” للحظات المفصلية، التي باتت قريبة جداً.
وعلى المقلب الحكومي، القراءة مختلفة جداً. يحاول رئيس الحكومة منذ دخوله السراي التماهي مع مطالب الشارع وتطلعاته. ولكن سيكون من الصعب جداً، لا بل من المستحيل، اقناع الرأي العام أنّ هذه الحكومة منفصلة عن القوى السياسية التي تؤمن لها الغطاء السياسي. الفصل بينهما مناقض لمنطق الفصل بين الزيت والماء. ولذا تبوء تلك المحاولات بالفشل.
مع ذلك، لا ترى مصادر مطلعة على موقف رئيس الحكومة، أنّ الشارع ينذر بإشارات بالغة الخطورة. يقرّ هؤلاء بأنّ ثمة دعوات تطلق بين الحين والآخر لإشعال نار الثورة من جديد، وبأنّ ثمة جهوداً تبذل في سبيل كودرة الحراك المدني، لكن هذا لا يعني أبداً أنّ “ثورة الجياع” قد تنطلق في القريب، ولو أنّ للرأي العام كل الأسباب للتحرك وفرض قوة الحناجر.
بنظر المصادر، مشهد 17 تشرين الأول استثنائي وقد لا يتكرر. عودة الاوكسجين الى يوميات اللبنانيين كان يفترض أن يكون عذراً لاندلاع شرارة الانتفاضة في أكثر من مكان وفي أي لحظة، ولكنها لا تزال هامدة. لماذا؟ لأن أولويات الناس في هذه الظروف الصعبة، في مكان آخر، وتحديداً في محاولتهم للبحث عن لقمة عيشهم. تشير المصادر إلى أنّ الهواجس في هذه الأيام مختلفة، والأرجح أنّ اهتمام الناس سينصب على كيفية استعادة بعض أشغالهم وأرزاقهم بعد اقفال دام لأسابيع.
ولذا يعتقد المطلعون على موقف رئيس الحكومة أنّ الكلام عن حراك شعبي عفوي، قد لا يكون صائباً خصوصاً وأنّ هذا الحراك يتطلب عاملين كي تكون النتيجة فعالة ومؤثرة: فرصة تشبه تلك التي منحتها حكومة سعد الحريري من خلال ضريبة الواتساب التي كانت أشبه بالنار التي ألقيت في بقية الزيت، وإطار جامع يتمتع بصدقية قادر على إلهام الشارع.
وفق هؤلاء، هذا الاطار لا يزال هشاً، فيما تحاول مجموعات الحراك المدني صياغة ادارة جدية لإثبات حضورها وإقناع الرأي العام بشعاراتها، والمسألة لا تبدو بمنتهى السهولة، ومن نجح بين هذه المجموعات في بلورة اطار تنظيمي لا يستطيع وحده قيادة تسونامي بشرية.
ولهذا، يرى هؤلاء أنّ أي تحرك شعبي قد يحصل، له خلفيات سياسية. بنظرهم فإنّ “تيار المستقبل” هو أكثر القوى السياسية حماسة لاستخدام ورقة الشارع، وتدل المعطيات الأمنية وفق هؤلاء على أن “التيار الأزرق” يستعد لخوض غمار الحراك الشعبي من جديد في أكثر من منطقة، من دون أن يعني ذلك لجوءه إلى أعمال الشغب، وإن كان من المتحمل أن تفلت الأمور من بين يديه.
يرى هؤلاء أنّ “المستقبل” يحاول الهروب من أزماته الداخلية الى الشارع كونه الأداة الوحيدة المتاحة في الوقت الراهن، لشدّ العصب وتجاوز الاشكالات الداخلية. في المقابل، لا تبدي القوى المسيحية وتحديداً “القوات” و”الكتائب” حماسة في تحريك ماكيناتها الاعتراضية لاعتبارات تتعلق بهذين الحزبين.
أما ردّ الحكومة على أي تحرك فسيكون: للناس الحق في التعبير عن رأيهم ولكن تحت سقف القانون.