أعاد تعثّر قانون العفو العام في الهيئة العامة لمجلس النواب امس، مسألة تحديد مفهوم العمالة الى الواجهة… فعلى اي اساس يُصنّف الناس ومَن يحق له تصنيف هذا او ذاك؟ الاسئلة هذه تطرحها عبر “المركزية” مصادر سياسية معارضة. في رأيها، الملف الحساس هذا الذي لا يزال يثير الجدال والاخذ والرد حوله، رغم مرور عقود على انتهاء الحرب الاهلية وفصولها، لا بد من فلش اوراقه على الطاولة، على الملأ، لحسمه مرة لكل المرات.
فالعمالة اولا، هي الارتهان لدولة أجنبية وتسخيرُ المرء بلده لخدمة هذه الدولة، وتقديمهُ مصالحها على مصالح بلده الام، مقابل بدل مادي او مالي او لاسباب عقائدية. فهل يتفق اللبنانيون على هذا المفهوم ام لا؟ طالما لا تفسير موحدا او معيار موحدا بينهم لمفهوم “العمالة”، فإن جراح الحرب ستبقى تنزف، وسيبقى الاقوى، أي حزب الله اليوم بما انه الفصيل اللبناني الوحيد المسلح، يوزع شهادات بالوطنية والعمالة على الناس.
ولا بد من التذكير هنا، ان العمالة ليست محصورة بتواطؤ المواطن مع دولة “عدوة” بل مع اي دولة كانت، ما يعني ان “مَن يأخذ امواله ومأكله ومشربه وملبسه من ايران”، لا يمكن ان يعيّر شخصا اضطرّته ظروف قاهرة الى “الهرب” او التعاون مع تل ابيب.
واذا توسّعنا اكثر في درس هذه القضية من جوانبها كافة – وهذا التوسّع مطلوب وقد آن الاوان لتتجرّأ عليه القوى المعنية به- سيتبيّن ان معظم المبعدين الى اسرائيل اليوم كانوا قصرا عندما اضطروا الى المغادرة عام 2000 على وقع كلام تهديدي أطلق حينها بأنهم “ما عادوا آمنين في أسرّتهم”. اما ذووهم، فقد اضطر معظمهم الى التعاون مع الواقع الذي كان سائدا حينها في الجنوب. وهو كان تحوّل اولا فتح لاند، ثم انقسم فيه الجيش اللبناني، ولاحقا اشتدت فيه سطوة قوى الامر الواقع المسلّحة ذات اللون الطائفي المذهبي الواحد، التي راحت تفتك بمن ليسوا من “ملّتها”، وتخوّنهم، من دون ان يجدوا من يحميهم حينها.
أما من تعاونوا طوعا مع الاسرائيلي، حبّا به، فوضعهم مختلف. ويجب اليوم اذا كانوا “تابوا” ويرغبون بالعودة الى وطنهم، أن يُصار الى محاكمتهم ومعاقبتهم، طبعا، لكن على يد سلطة قضائية نزيهة مستقلة، وليس من قبل قوى الامر الواقع نفسها، خاصة اذا كانت “قماشة” وطنيتها مهترئة وممزقة، بحيث لا تخجل بأن تعلن، “كلما دق الكوز بالجرة”، ولاءها المطلق لايران واستعدادَها للتضحية بلبنان وشعبه ومؤسساته وأمنه الاقتصادي والسياسي والعسكري، كرمى لعينيها.
وبعد، الا يُعتبر من يرسم اليوم، في زمن السلم، خطوطا حمرا لجيش بلاده، ومن يُسقط طوافاته، ومن يعتبره غير قادر لا على ضبط الحدود الجنوبية ولا الشرقية، خائنا لوطنه؟
فليُقل هذا الكلام مرة لكل المرات، بلا قفازات. فإما تقوم دولة حقيقية يسودها القانون والمنطق، أو تسود شريعة الغاب التي يحكمها الاقوى، كما هي الحال اليوم.