كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
تطغى أجواء التهدئة بين القادة السياسيين والماليين بعد الكباش الأخير الذي اندلع بين رئيس الحكومة حسان دياب وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة والذي دخل مرحلة اللفلفة. ما يربط بين رجال المال والإقتصاد والسياسة أن الجميع في مأزق واحد، إذ إن الفساد من مسؤولية الجميع ولا يمكن أن يُحمّل لطرف دون الآخر، في حين أن المعالجات لم تبدأ بعد بانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات سياسية ومالية. وشكّل لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحاكم مصرف لبنان أمس محطة للمّ الشمل ومحاولة الإتفاق على خريطة طريق للمرحلة المقبلة. ووفق المعلومات، فإن الأجواء الإيجابية طغت على اللقاء وأُزيلت كل عناصر التوتر بعد تسليم الجميع ببقاء سلامة في منصبه، وعدم تحميله لوحده مسؤولية الإنهيار الحاصل في سعر صرف الليرة وارتفاع الدولار والأزمة الإقتصادية. وبعد أن كثرت تعاميم سلامة، كان لا بدّ من إطلاع رئيس الجمهورية عليها، إذ إن الحاكم شرح للرئيس أهمية التعميم الأخير الذي يسمح للتجار والمستوردين بشراء المواد الغذائية الأساسية على سعر 3200 ليرة للدولار ويدعم الصناعة، مما سينعكس إيجاباً على السوق ويؤدّي إلى خفض الأسعار.
ومن جهة أخرى، أطلع سلامة الرئيس على تداعيات كل تعميم ومنها التعاميم السابقة التي أدّت إلى بعض الإنفراجات وسهّلت على المودعين سحب بعض أموالهم. أما النقطة الأساس التي كانت محور النقاش فهي المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وإزالة كل الإلتباسات، وتوحيد موقف لبنان وعدم تعدد آراء المفاوضين خصوصاً أن سلامة يشارك في هذه المفاوضات، حيث نقل بعض الأجواء الإيجابية والتي قد توصل في النهاية الى اتفاق مع “الصندوق”، في وقت يبقى الحذر سيّد الموقف لأن الشيطان يكمن في التفاصيل. لا تملك بعبدا أو مصرف لبنان أو وزارة المال أو أي مرجعية أخرى جواباً شافياً عن المستوى الذي سيبلغه الدولار، وسط استمرار تحليقه في السوق السوداء، لكن ما بات مسلّماً به من جميع المرجعيات أن الدولار لن يعود كما كان بغضّ النظر عن مطالب صندوق النقد الدولي بضرورة تحريره. وتكشف المعلومات أن البحث عن سعر جديد لتثبيت الدولار يجري على قدم وساق بين بعبدا والسراي و”المركزي” ووزارة المال، وهناك إتفاق تام على رفعه عن 1507 ليرات، لكن الإشكال هو الإتفاق على كم سيبلغ سعره. وفي هذا الإطار، يُنقل عن مراكز القرار في الدولة تأكيدها أن السعر الجديد لصرف الدولار كان سيتم إقراره الأسبوع الماضي، وبُحث هذا الأمر مع رئيس الجمهورية حيث كان السعر المطروح يتراوح بين 3200 و3500 ليرة، وكان الجميع بانتظار رأي حاكم مصرف لبنان. لكن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتعدّد الآراء بالنسبة إلى سعر الصرف أخّر الموضوع، فبعبدا تؤكّد أنه لو تمّ تحرير السعر منذ سنوات تدريجياً لما كنّا وصلنا إلى هذا الفرق الشاسع الآن، وبالتالي فإن السعر الجديد يجب أن يأخذ مداه، أي أن لا نثبّته مثلاً على 3000 ليرة ويكون سعره الحقيقي 4000 ليرة وندفع الثمن لاحقاً، ولو تمّ تثبيته مثلاً على 2000 ليرة بدل 1500 ليرة منذ عشرات السنوات لما كنّا دفعنا هذه الفاتورة. أما الرأي الثاني والذي تُعبّر عنه وزارة المال وبعض الجهات الأخرى، فيتكلّم عن صعوبة القيام بتغيير سعر الصرف حالياً بانتظار أن يستتب الوضع الإقتصادي، لأن هذا الأمر إن تمّ حالياً ستكون له تداعيات سلبية مستقبلاً. وأمام تعدّد الآراء، تبقى وجهة نظر صندوق النقد الدولي موجودة وهي تحرير السعر كي يأخذ مداه صعوداً أو هبوطاً، وبالتالي فإن هذا الأمر قد يؤثّر سلباً على ما تعوّد عليه المواطن اللبناني الذي فقد الأمان.
ومهما حصل، فإن بند تثبيت سعر الليرة أو تحريرها مطروح في هذه الفترة بقوّة وينتظر أن يُعرف مصيره لاحقاً، خصوصاً أن المواطن اللبناني بات يشتري كل شيء على سعر السوق وليس السعر الرسمي، باستثناء الطحين والمحروقات والتي تجري تأكيدات بأنهما سيحتفظان بالدعم إلى حين.