كتب محمد شقير في صحيفة “الشرق الأوسط”:
أفضت الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء إلى التوافق على صيغة هجينة حول معامل إنتاج الكهرباء، قال عنها رئيس حكومة سابق، إنها شكلت انقلاباً على القرار الذي اتخذته الحكومة في جلسة سابقة، وإن كان يُراد منها في الشكل تطويق النزاع بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة حسان دياب، قبل أن يتفاعل سياسياً، مع أنها تهدف إلى استيعاب ارتفاع منسوب التوتر المسيحي – الشيعي الممتدّ من بلدة لاسا في قضاء جبيل، إلى الخلاف حول إدراج معمل سلعاتا في خطة إعادة تأهيل قطاع الكهرباء.
ورأى رئيس الحكومة السابق الذي فضّل عدم ذكر اسمه أن صدور قرارَيْن عن مجلس الوزراء يتعلّقان ببناء معامل لإنتاج الكهرباء هو سابقة ستترتّب عليها تداعيات سياسية تؤشر إلى الارتباك الذي يحاصر حكومة دياب.
وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة تبنّى خطة رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، وقال إن الأخير استعان بسلاح سياسي من العيار الثقيل، تمثّل في اعتماده على الضغط الذي مارسه الرئيس عون، وأدى إلى تراجع الحكومة عن قرارها السابق من دون أن يكون مقروناً بسحبه من التداول والتعامل معه وكأنه لم يكن.
وقال إن رضوخ مجلس الوزراء لمشيئة باسيل، بذريعة أن الحكومة السابقة كانت أدرجت معمل سلعاتا في خطة الكهرباء، إلى جانب معملي الزهراني ودير عمار، هو محاولة للالتفاف على قرار مجلس الوزراء في جلسة سابقة برئاسة دياب الذي اقتصرت معارضته على الوزراء المحسوبين على «التيار الوطني».
ورأى رئيس الحكومة السابق أن باسيل استعان بقرار الحكومة السابقة لتبرير غسل يديه من القرار الذي اتخذته حكومته قبل أن يبادر إلى تنظيم تراجعه أمام الضغط الذي مورس على الحكومة من رئيس الجمهورية. ولفت إلى أن إصرار دياب على موقفه احتراماً لمصداقية مجلس الوزراء كاد يُحرج رئيس الجمهورية؛ لأن الاحتكام إلى التصويت لن يكون لصالحه، وقال إن دياب تواصل مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أثناء انعقاد الجلسة لتوفير الغطاء السياسي لتبرير موافقته على الصيغة الهجينة التي توصل إليها مجلس الوزراء.
واعتبر أن الرئيس بري ليس مع الانزلاق في مجلس الوزراء إلى المجهول؛ لأن البلد لا يحتمل إقحامه في اشتباك سياسي، وقال إن «حزب الله» استخدم كل نفوذه لمنع تصاعد الخلاف بين عون ودياب، لأنه ليس في وارد الانجرار إلى مشكلة مع باسيل تدفع باتجاه إقحام البلد في اشتباك، خصوصاً أن الأجواء بينهما ليست على ما يرام، على الأقل من جانب «التيار الوطني».
وفي هذا السياق، كشف مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» أن باسيل كان يشترط على الذين التقاهم من المرشحين لتولي رئاسة الحكومة، ومن بينهم محمد الصفدي وسمير الخطيب ودياب الموافقة على خطته للكهرباء، وقال إن الأخير استجاب لطلب باسيل، لكنه حاول الالتفاف على هذه الخطة قبل أن يضطر إلى التموضع في المربع الأول، استجابة لرغبة عون الذي يعتبر أن أي تعديل في الخطة لا يستهدف باسيل فحسب، وإنما هو شخصياً.
وأكد المصدر النيابي أنه كان في مقدور دياب أن يقول: «لا»، لعون ومن خلاله لباسيل، لأنهما في حاجة إليه لخلو الساحة السياسية من المرشحين الذين لديهم استعداد لخلافته، وقال إن هناك ضرورة لتوفير كل الدعم لدياب في مواجهة خصومه في الشارع السنّي بدلاً من إظهاره على أنه رضخ لمشيئة رئيس الجمهورية.
وعليه، فإن شَطْب القرار الذي اتخذته الحكومة قبل أن تتراجع عنه سيؤدي حكماً إلى إنقاذ العهد «ورقياً»، إضافة إلى أنه يسهم في تمديد عمر الحكومة التي لا زالت تتخبّط، بدليل تأخير صدور التشكيلات القضائية وسحب التعيينات الإدارية والمالية، التي كانت مدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء.
لذلك فإن إقرار خطة الكهرباء لا يعني أنها ستسلك طريقها إلى التنفيذ في ضوء وجود معارضة محلية ودولية لها؛ سواء من «سيدر» أو من «صندوق النقد»، مع أن المفاوضات الجارية معه ستطول، هذا في حال استجابت الحكومة لشروطه ووضعت الإصلاحات على نار حامية، وإن كان تراجعها عن قرارها «الكهربائي» ورضوخها للضغوط لا يلقى ارتياحاً من المجتمع الدولي.