كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لا يمكن فصل الواقع المسيحي عن أوضاع البلاد بشكل عام، فالجميع مأزوم وكل طرف يبحث عن خشبة خلاص له من دون النظر إلى الإطار الأوسع.
تتفق جميع القيادات المسيحية أن دور المسيحيين بات يتقلّص مع الوقت بسبب التطورات الإقليمية والدولية والحروب التي شنّت عليهم وخسارتهم الحرب الأهلية وتوقيعهم “إتفاق الطائف” الذي سلخ القسم الأكبر من صلاحيات رئيس الجمهورية ووضعها في مجلس الوزراء، من ثمّ أتى تنامي دور “حزب الله” الذي بات الحاكم الأقوى في لبنان متخطياً كل المؤسسات الشرعية.
لكن الخسارة الأكبر للمسيحيين كانت بسبب حروبهم الداخلية و”تكسيرهم” لبعضهم البعض من أجل الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وليس خلاف رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل إلاّ دليلاً على العقلية المسيحيّة الإلغائية.
وأمام كل هذا التأزم الذي يعيشه المسيحيون واللبنانيون، كان لا بدّ لـ”الرابطة المارونية” أن تقوم بتحرّك ما لأن الوضع يبشّر بالأسوأ و”القلّة بتولّد النقار والمشاكل”، وقد بادر رئيس “الرابطة” النائب السابق نعمة الله أبي نصر إلى دعوة الرؤساء السابقين لـ”الرابطة” وهم: النقيب أنطوان قليموس، جوزف طربيه، سمير أبي اللمع، حارس شهاب، للإجتماع للبحث في ما يمكن فعله مسيحياً ووطنياً لمواكبة التطورات الحاصلة. الإجتماع الذي طغى عليه الجو الجدّي والإصرار على فعل شيء ما للخروج من دائرة المراوحة، ركّز على النقاط التي تجمع القادة المسيحيين والمؤسسات المدنية والكنسيّة، وإذا كانت هناك خلافات كبرى، إلاّ أن هناك بعض الأمور التي يتفقون عليها، مثل اللامركزية الإدارية، حماية الموظفين المسيحيين النظيفين في الإدارة وعدم استفرادهم، مسألة لاسا والسيطرة على الأراضي بالقوّة، تفعيل دور الكنيسة في هذه المرحلة.
هذه المواضيع التي تشكّل قواسم مشتركة بين المسيحيين، تسعى “الرابطة المارونية” والرؤساء السابقون لتنظيم آلية عمل لتفعيل الوصول إلى نتائج فيها، لكن الأهم بالنسبة لهم هو وقف هذا التشرذم الحاصل مسيحياً في هذه الظروف الحرجة ووقف التراشق بين القيادات المسيحية مثلما حصل أخيراً على أكثر من جبهة وتبريد الأجواء.
وتحسباً لما قد يحصل، فإن المجتمعين طرحوا موضوع تجنّب الصدام العسكري بين الأطراف المسيحية، وإذا كانت لا تحصل إشكالات حالياً، إلّا أن الأجواء المشحونة قد تؤدّي إلى مثل هكذا صدامات متنقّلة في وقت لاحق، لذلك كان الحرص على أنّ هذا الأمر ممنوع منعاً باتاً، والخلاف يجب أن يبقى محصوراً ضمن إطاره السياسي لأن لعبة الدم خطيرة.
وإذا كانت حماية المؤسسات الشرعية، وعلى رأسها الجيش اللبناني من الثوابت المسيحية، إلا أنّ “الرابطة المارونية” والرؤساء السابقين أبدوا حرصهم خلال جلستهم على أن يكون دعم الجيش وبقية المؤسسات من الأولويات، وذلك لأن منطق الدولة وحده يحمي المسيحيين واللبنانيين على حدّ سواء، وبالتالي فإن كل المغامرات الأخرى مرفوضة.
وتطرّق المجتمعون أيضاً إلى غياب خطّة مسيحية على المستوى الإستراتيجي، إذ إن كل فريق يعمل على هواه من دون وضع رؤية تحمي الوجود المسيحي الذي يتقلّص بعد تهجير مسيحيي الشرق، وضرب صلاحيات رئيس الجمهورية وتقليص الحضور في المؤسسات العامة بفعل تبدّل موازين القوى، لأن الحضور المسيحي مرتبط بالدور الذي يقومون به، وغياب الدور يعني غياب الحضور وانعدام الوجود.
ووسط التأكيد من المجتمعين في “الرابطة” على توحيد الرؤية المسيحية وتفعيل الدور للوصول إلى ما يشبه إتفاقاً بين الأطراف المسيحية على الخطوط الإستراتيجية العريضة وعدم وقوف “الرابطة” موقف المتفرّج، فإن الخطوة التالية ستكون بزيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لإطلاعه على أجواء الإجتماع وأخذ بركته للإنطلاق في خطة عمل قد تبصر النور قريباً، لكن قد لا تصل إلى النتائج المرجوة لأن الصراع على “الكرسي” أقوى من مصلحة المجتمع المسيحي عند بعض القادة.