يتبين يوما بعد يوم كم ان مشوار الدولة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي شاق ومحفوف بالمطبات. بعضها اقتصادي – مالي مرتبط بالاوراق الكثيرة والارقام المتفاوتة التي يحملها الوفد او الوفود الللبنانية المشاركة في المفاوضات والتي تعجز حتى الساعة عن توحيدها، وبعضها الآخر متعلق بعجز الحكومة عن اتخاذ قرار اصلاحي واحد وازن تقدمه للمانحين كبادرة حسن نية تشجعهم على تعديل نظرتهم السلبية من بيروت. الا ان الدرب الى الفوز بالدعم المالي المرجو، مزروع ايضا بعوائق من الصنف السياسي – الاستراتيجي ايضا، عوائق تظهر معالمها بوضوح اكبر كل يوم. في هذه الخانة يصب التشدد الاميركي الغربي تجاه حزب الله وحلفائه في لبنان، والذي ذكّرت به امس السفيرة الاميركية دوروثي شيا، في سلسلة مواقف خلاصتها ان على الحكومة خاصة والدولة اللبنانية عموما ان ترسم حدا فاصلا بينها وبين حزب الله وتضعا للاخير سقفا لقدرته على التحكم بقراراتها وتوجهاتها، والا فانها لن تحصل على اية مساعدات من الجهات المانحة.
ولن تكتفي واشنطن بذلك، بتقنين الدعم او وقفه، بل ستفرض عقوبات على كل من يساعد حزب الله سياسيا وماليا وعسكريا، ايا كانت انتماءاته السياسية والمذهبية. والاخطر ان هذه العقوبات، ستتوسّع دائرتها بدءا من اليوم، مع دخول قانون قيصر الاميركي حيز التنفيذ. والاخير يطال كل من يدعم النظام السوري بأي شكل من الاشكال، او يتعاون معه… ولمّا كان عدد لا بأس به من الوزارات اللبنانية باشر، فور نيل الحكومة الثقة، رحلاته الاقتصادية الشكل والسياسية المضمون الى دمشق، فإن الاصرار على الذهاب أبعد في هذا النهج الانفتاحي على النظام السوري، والذي ينادي به بوضوح عرابو الحكومة السياسيون، وعلى رأسهم الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، تحت شعار ان “الانفتاح على المشرق مفيد للبنان تجاريا واقتصاديا”، هذا النهج، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ” المركزية” سيكلف لبنان غاليا في المستقبل، بحيث سيصعّب عليه مفاوضاته مع صندوق النقد (خاصة وان واشنطن اكبر مموليه) وسيفتح عليه “جحيم” عقوبات ثقيلة، هو في غنى عنها اليوم.
فهل سيتحرّك مجلس الوزراء كما يجب لتفادي “المقصلة”؟ أم انه سيذهب برجليه الى المحظور ويواصل اللعب بالنار، عبر التمسك بخيار التعاون مع سوريا في مسألة ضبط الحدود على سبيل المثال لا الحصر، وسيستمر غض النظر عن عمليات تهريب المازوت والطحين والدولار والمقاتلين اليها، راضخا لما يقوله مَن اوصلوا هذه الحكومة الى السراي؟ حتى الساعة، الخيار الثاني هو المرجح بعد ان استثار مجرد توزيع وزيرة الدفاع نص قانون قيصر على مجلس الوزراء للاطلاع عليه، حفيظة اهل الممانعة وماكينتها الاعلامية…
وليكتمل المشهد، تقترب النمسا من الانضمام الى لائحة البلدان التي تصنّف حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي، ارهابيا، وتضعه على لائحتها السوداء. اي ان استسلام الدولة اللبنانية لارادته، كما هو حاصل اليوم، لن يسعفها في مهمة اقناع الدول المانحة، وسيجعل من مفاوضاتها مع صندوق النقد، مضيعة مكلفة لوقت اللبنانيين الثمين، لا اكثر…