كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
أعاد مجلس الوزراء فتح “قبر” الكهرباء في جلسته الاخيرة المنعقدة في 29 أيار الماضي. وعلى رمق تماسك الحكومة الاخير، إنتشل الوزراء معمل سلعاتا الذي دفن قبل أقل من نصف شهر، وتحديداً في 15/5/2020. الحكومة جدّدت بشخص رئيسها ووزرائها التمسك بخطة الكهرباء الواردة في البيان الوزاري، بعد طلب من رئيس الجمهورية. فعاد معمل سلعاتا ليتصدر قائمة المشاريع “المكهربة”. وبغض النظر عن الكسر السياسي والاشكاليات القانونية والخلاف على الموقع، وما إذا كان في سلعاتا أم في حالات… فان السؤال الأهم هو: هل من جدوى اقتصادية لهذا المعمل؟
قضية المعمل “الإشكالي” عادت إلى الواجهة في عهد الوزير أرثيور نظريان. ففي العام 2014 نقضت وزارة الطاقة توصية “موت ماكدونالد” لجهة تحديد موقع المعمل، واستقدمت “Fichtner”، التي حددت مكاناً آخر مصنفاً محمية طبيعية، ويعتريه الكثير من المشاكل والإعتراضات من البلدية والأهالي. وهذا ما يظهره كتاب بلدية سلعاتا الاخير إلى مجلس الوزراء. حيث أكدت البلدية ان “المكان الاساسي للمعمل هو في حامات الخالية من أي تجمع سكني أو صناعي. هذا اذا كان من الضروري جداً اقامة معمل في المنطقة”.
بالاضافة إلى الغايات السياسية فان إصرار الوزارة على سلعاتا يعود بحسب “ملتقى التأثير المدني” إلى ان الاراضي المراد استملاكها تعود إلى مقربين من “التيار الوطني الحر”. ومن بينهم شركة “ميكادا” وأفراد من عائلة أحد النواب اعضاء “التكتل”، الذين يمتلكون من الاراضي ما تزيد مساحتها عن 228 الف متر مربع، وبقيمة تتجاوز 200 مليون دولار. ورغم محاولة وزيرة الطاقة السابقة ندى البستاني تغيير تصريحاتها حول قيمة الاستملاكات من 200 إلى 30 مليون دولار، أبرزت المستندات ان القيمة هي 207 ملايين، وربما أكثر.
الجدوى الاقتصادية… سلبية
الجملة الاخيرة من بيان البلدية حول ضرورة المشروع من عدمها، تنضم إلى تساؤلات الخبراء وأصحاب الاختصاص في الداخل والخارج عن جدوى هذا المعمل، الذي سنستمر بتسميته “سلعاتا” كما ورد في الخطة. في الشكل المعمل مرفوض من المجتمع المحلي والجمعيات البيئية ولم يُقنع الوزراء، بدليل استبعاده في الاساس. وهو لا يتوافق مع متطلبات البنك الدولي الذي أوصى بالعمل على إطلاق معمل جديد في الزهراني فوراً لأن ملفه جاهز، قبل التفكير بإنشاء معمل جديد في سلعاتا. كما ان تحويل عقد بناء المعمل الى عقد شراكة بسحر ساحر، ودونما اجراء مناقصات جديدة وفق الأصول القانونية بحجة التسريع في التنفيذ، يشي بحسب “الملتقى”، بمدى خطورة التجاوزات القانونية التي تمارس، خصوصاً بعد مرور سنتين من دون البدء بالتنفيذ. هذا وكانت شركة كهرباء فرنسا EDF قد أعدت مسودة دراسة أولية عن عدم جدوى المعمل وانتفاء الحاجة اليه، لكن وزير الطاقة الحالي ريمون غجر يرفض وضعها على طاولة مجلس الوزراء للنقاش، لضمان استمرار المعمل. لبنان، بحسب عضو مجلس إدارة ملتقى التأثيرالمدني د. منير يحيى، لا يحتاج إلى ثلاثة معامل للكهرباء بهذا الحجم للعشرين عاماً القادمة”. و”السبب ليس تناقص الحاجة إلى الكهرباء، بل لان الكلفة التي سيتحملها الاقتصاد والمستهلكون ستكون باهظة جداً ولا تتلاءم مع التطور الحاصل في الطاقة المتجددة”. وبحسب يحيى، فان الكلفة الوسطية لكل كيلوات/ساعة منتجة ستكون مضاعفة عن الكلفة الحالية وتقدر بنحو 16 سنتاً. وذلك بسبب التكاليف الهائلة لانشاء وصيانة المعمل”.كلفة المعمل
بحسب الدراسات فان صفقة بناء معمل سلعاتا ستكلف المبالغ التالية:
– أكثر من 500 مليون دولار من العقود المباشرة مع عمولتها والاعمال الباطنية (اشغال مدنية وغيرها).
– كلفة التشغيل والصيانة تصل الى 1 مليار دولار في الـ 15 سنة القادمة.
– تمويل سياسي لأكثر من 15 مليار دولار في خمس عشرة سنة قادمة سيدفعها الأبناء والأحفاد.
– وجوب تأمين مبالغ مالية هائلة للاستملاكات، تقدر بحسب وثيقة صادرة عن مؤسسة كهرباء لبنان بـ 200 مليون دولار.
– عدم وجود البنى التحتية المطلوبة في المنطقة، وارتفاع كلفة ربطها بالشبكة.
– عدم تخطي المسافة بينها وبين معملي دير عمار 27 كلم فقط.
“القصة مش كهربا”
أمام هذا الواقع المأسوي في بلد عالق وسط رمال الأزمة الاقتصادية المتحركة، لا يسعنا التفكير إلا بالهدف الحقيقي الذي يجعل من هذا المعمل من “المقدسات”، رغم شوائبه الكبيرة. فان لم يكن الهدف منه توفير الطاقة بأقل كلفة ممكنة، فما تراه يكون؟
بحسب كل المعطيات المجمعة فان المعمل يخفي هدفين رئيسيين غير معلنين. الاول يتعلق بتأمين منفذ للصين، المرشحة لاستلام المشروع، على شاطئ البحر الابيض المتوسط. خصوصاً ان المعمل سيكون له مرفأ ومن الممكن ان تتأمن له محطة تغويز مستقلة. أما الثاني فهو استمرار استغلال الكهرباء لتمرير الصفقات، رغم كل الملاحظات الدولية عن أهمية الشفافية لمساعدة لبنان. وهذا ما برز برأي يحيى، بشكل واضح بـ “تفويض الوزير منفرداً المفاوضة وتوجيه الشركات الى المواقع التي يريدها. وبالتالي توقيع عقودٍ ستتراوح قيمتها بين 2 و5 مليارات دولار أميركي، من دون الرجوع إلى ادارة المناقصات، وبتغييب فاضح للجان الوزارية ومجلس الوزراء”.
السابقة غير القانونية في توقيع العقود بالتراضي ومحاولة الالتفاف على كل الشروط الدولية، بايجاد حل نهائي ودائم للكهرباء والانتهاء من الحلول الموقتة المتمثلة في البواخر. الأخذ برأي فختنر Fichtner””، شركة الاستشارات العالمية الموضوع عليها حظر”Baning” من البنك الدولي بشبهة فساد في مشروع في الكونغو، من أجل توفير غطاء لنقل مكان المعمل الى سلعاتا. الغايات الجيوسياسية من وراء انشاء المعمل، تواجده بحسب بلدية سلعاتا على بعد أمتار من تجمع صناعي كبير (شركة كيماويات لبنان وشركة الزيوت ومشتقاتها وهما تضمّان أكثر من 600 عامل بالاضافة الى وجود مرفأ شركة زيوت). الاصرار على اقامته بالقرب من اماكن سكنية… عوامل تجعل اقامة هذا المعمل جريمة بحق الوطن والمواطن. هذا ان كان الهدف محصوراً فقط بالمصالح المادية ولا يتعداها الى مشاريع التقسيم، التي يكثر الحديث عنها في الايام الأخيرة. فهل يشكل المعمل الضمانة الاساسية لمشروع التقسيم؟ سؤال ستجاوب عليه الايام القادمة. انما ما لن يلقى أي جواب هو غرق لبنان في العتمة الكالحة قريباً وعدم حصوله على أي مساعدة، بعد الاهمال المتعمد لكل الحلول القائمة على الطاقة المتجددة بديمومة أطول وكلفة أقل.