كتبت كارولين عاكوم في “الشرق الاوسط”:
أتى التهديد بالانسحاب من الحكومة اللبنانية هذه المرة من الطائفة الدرزية على خلفية تعيين قائد للشرطة القضائية، ما يعكس مجدداً الانقسامات داخل الفريق الواحد. فالمحاصصة التي سبق أن أدت إلى «انتفاضة» مرة أرثوذكسية وأخرى مارونية وكذلك سنيّة، نتيجة الخلاف على تعيين محافظ لبيروت وحالت دون الحسم في التعيينات القضائية ومن ثم المالية، تحطّ اليوم عند الدروز عبر رفع رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان السقف، مهدداً بالانسحاب من الحكومة. والتهديد نفسه كان قد رفعه في وقت سابق رئيس البرلمان نبيه بري بسبب عملية عودة المغتربين ضمن خطة مواجهة وباء كورونا، ولوّح به رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، رفضاً منه لعدم تضمين خطة الكهرباء إنشاء معمل لتوليد الطاقة في سلعاتا وما أدى في النهاية إلى تحقيق مطالبهما.
هذه الخلافات المتنقلة والمتعددة، ظهرت مجدداً في تعيين قائد للشرطة القضائية الدرزي، إذ قضى العرف بأن يكون محسوباً على «الحزب التقدمي الاشتراكي» ويسمّيه أو يرضى عنه رئيسه وليد جنبلاط، وهو ما يؤدي اليوم إلى خلاف حوله بين جنبلاط و«الديمقراطي» المشارك في مجلس الوزراء، والذي تشير المعلومات إلى أنه لم يدعم مرشّح الأخير لهذا المنصب، وهو ما يبدو واضحا من موقف أرسلان التصعيدي وتهديده بتعليق مشاركته في الحكومة.
وفي تغريدة له على حسابه على «تويتر» قال أرسلان: «حق الدروز ليس سلعة للبيع والشراء في أسواق السياسة الهزيلة… ولا نرى مبرراً لعدم تعيين قائد لوحدة الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي يحوز على المواصفات المطلوبة باعتماد الأقدمية كمعيار محق للجميع ويفسح في المجال لجميع الضباط الدروز الكفوئين بتحقيق طموحاتهم المحقة دون منة من أحد».
وردّ أرسلان على الاتهامات التي أشارت إلى تورّط العميد ماهر الحلبي (الضابط الأقدم والمرشح لتولي المنصب)، بملفات لها علاقة بتجارة المخدرات، قائلاً: «ما يقال عن العميد ماهر الحلبي ويروّج له معيب بحق قائليه ومروجيه ولا يجوز الاعتماد على افتراءات وهميّة غير موجودة في إضبارته».
وهدّد أرسلان بالانسحاب من الحكومة، داعياً إلى «الكف عن التلاعب بحق الدروز ومصلحتهم… والمواقع الدرزية في الدولة خط أحمر لن نسمح لأحد بالتلاعب بها حتى لو اقتضى الأمر الوصول إلى تعليق مشاركتنا في الحكومة».
وبعد كلام أرسلان، أطلق كل من وزير السياحة والشؤون الاجتماعي، رمزي المشرفية، (المحسوب على أرسلان في الحكومة)، والوزيران السابقان وئام وهاب وصالح الغريب، مواقف داعمة لرئيس «الديمقراطي». وقال المشرفية في تغريدة على «تويتر»: «الشغور في أيّ منصب حسّاس في الدولة قد يؤدي إلى ضعف في الأداء وفي القيام بالواجب المطلوب تجاه المواطنين». وأضاف: «نؤكّد على ما قاله الأمير طلال أرسلان بضرورة الحسم في تعيين قائد لوحدة الشرطة القضائية في مؤسسة قوى الأمن الداخلي، لما فيه مصلحة للبنان وللمؤسّسة».
أما الغريب فقال: «كفى ما لحق الدروز من غبن في الإدارة نتيجة سياسات ومقايضات نعلم بعضها ونجهل غالبيتها. لن نكون شهود زور على استمرار قضم المواقع الدرزية في الدولة من طريق تكليف أناس في المواقع الدرزية الشاغرة أو من خلال تسميات لا نعلم مصدرها».
وكذلك أعلن وهاب تأييده كلام أرسلان، مهاجما وزير الداخلية (محمد فهمي) من دون أن يسميه، قائلاً: «يبدو أن بعض الوزراء اعتادوا أن يكونوا مأمورين»، مضيفا: «هذا الأمر قد يدمر الحكومة لأنها بحاجة إلى عمل وليس لكلام فقط».
في المقابل، ومع إقرارها بأحقية الحلبي بالمنصب انطلاقا من أنه الضابط الأقدم، أوضحت مصادر مطلعة على هذا الملف لـ«الشرق الأوسط» أن «اعتراض جنبلاط والحكومة وتحديداً وزير الداخلية على الحلبي ينطلق من إثارة المعارضين لتعيينه شبهة ارتباطه بملفات يتم التحقيق فيها بقضايا مخدرات، وهو ما لا يمكن القبول به في موقع أمني رفيع يفترض أنه يكافح هذه القضايا». وهو ما نفاه أرسلان بشدة أمس. ولفتت المصادر إلى أن «الاقتراح كان بتعيين الضابط الذي يلي الحلبي في التراتبية، وهو العميد غازي كيوان، المقرب من جنبلاط، وهو ما يرفضه أرسلان».