عصف بدولة الفاتيكان أزمة مالية غير مسبوقة، بدأت مع عجز في الموازنة العام 2018، ووصلت ذروتها مع انتشار وباء “كوفيد19”.
كان العجز في العام 2018 بنحو 70 مليون يورو في موازنة عامة تقدر بـ 300 مليون يورو. وأوكل الحبر الأعظم حينها، الكاردينال منسق المجلس الاقتصادي غيرارد ماركس معالجة العجز والحد من الهدر.
تحسنت الأمور بشكل طفيف في العام 2019 حتى أن أتت الجائحة لتقلب الأمور رأسا على عقب.
وأشارت جريدة “اوفر ذي ورد” في عددها الأخير أن الوضع العام 2020 سيكون الأسوأ والعجز في الموازنة سيتراوح بين 60 و80 في المئة.
والتقت “الوكالة الوطنية للاعلام” رئيس جمعية “الناس للناس” والمتابع للشؤون الفاتيكانية الأب عبدو رعد فتحدث عن الأزمة المالية والعناصر الرئيسية لاقتصاد الدولة الأصغر في العالم قائلا: “الفاتيكان دولة تأسست سنة 1929، باتفاق حصل بين دولة إيطاليا والكرسي الرسولي وهي أصغر دولة في العالم، مساحتها 44 هكتارا وعدد سكانها حوالي 980 نسمة. نعم دولة صغيرة، لكنها دولة بمعنى الكلمة، لها أنظمتها ووسائل إعلامها وممتلكاتها وموظفوها وسفاراتها بالعالم. وبالتالي لها اقتصادها وما يتضمنه من مداخيل ومصاريف ومستحقات وأرصدة وغير ذلك”.
أما على ماذا يعتمد اقتصاد الفاتيكان بشكل أساسي، فأشار الى أنه “لا يعتمد على الأعمال التجارية ولا الصناعية (ما خلا بعض الصناعات المتعلقة بالدين مثل التقويات والكتب والفنون..) بل يعتمد هذا الاقتصاد على مساهمات المؤمنين والكنائس في العالم، على أملاك الكرسي الرسولي ومداخيلها، وعلى بعض النشاطات السياحية والتقوية مثل المتاحف والطوابع والمطبوعات وعلى مداخيل من الدولة الإيطالية التي دفعتها للفاتيكان والتي تم تنظيمها فيما بعد وتنسيقها مع الضرائب المتوجبة على المواطنين، (ما يعرف حاليا بال 8 بالألف)، واعتبرت كتعويض للكنيسة عن الأملاك التي صادرتها الدولة عند توحيد إيطاليا وإلغاء دولة الكنيسة”.
وقال: “كذلك، تؤمن الدولة الإيطالية خدمات الكهرباء والهاتف والمياه للفاتيكان وتمنحه بعض الإعفاءات الضريبية عن الممتلكات والموظفين. ويتولى المصرف الفاتيكاني، الذي يسمى مؤسسة الأعمال الدينية، والذي أنشأه البابا بيوس الثاني عشر سنة 1942، الإدارة الخاصة للاقتصاد الفاتيكاني، ويقوم بالتعامل مع باقي المصارف. أما ودائعه وخدماته المباشرة فهي محصورة بسكان الفاتيكان والمؤسسات الكنسية والمنتمين إليها”.
وعن الأزمة المالية الحالية التي يعانيها الكرسي الرسولي، قال الأب رعد: “ككل نظام اقتصادي، مر اقتصاد الفاتيكان بفترات صعبة والأصعب مع الأغلاق التام. قداسة البابا الحالي أصدر عام 2014 رسالة خاصة من أجل الإصلاح الإداري والمالي وأنشأ أمانة سر اقتصادية ومجلسا اقتصاديا برئاسة كردينال وعضوية ثمانية كرادلة أو أساقفة، ومختصصين علمانيين. يتوافق المتابعون للشؤون الفاتيكانية أن سبب العجز في الميزانية نقص في الرقابة وقلة الكفاءة في الإدارة مما جعل قداسته يكرر دعواته مرارا للحد من الإنفاق. لكن الوضع الآن أصعب بكثير بسبب وباء “كوفيد 19″ الذي أثر بشكل سلبي على الوضع المالي للفاتيكان: مؤسسة البابا الخيرية تفتقد إلى مساهمين بسبب الهبوط الاقتصادي العام، السياحة متوقفة وبالتالي مداخيل الحسنات البابوية والمتاحف والتقويمات هبطت بشكل كبير. أما الأملاك فهناك عدد منها مشغول بشكل مجاني أو خيري، والباقي بات يوفر أقل بكثير مما كان يوفره قبل الوباء”.
هذا الواقع دفع ببعض المحللين للتخوف من عدم استطاعة الفاتيكان دفع الرواتب لموظفيه، مما يدعو إلى تخفيض عددهم وإعادة هيكلة الشؤون المالية لتتماشى مع صعوبة الوضع. لكن أمين سر الاقتصاد الحالي خوان انطونيو، أكد أنه ليس هناك خطر إفلاس، فالفاتيكان اقتصاديا لا يقاس بالعجز كشركة مثل أي شركة، إنما استمراريته تعود إلى كرم المؤمنين. ولا شك في أن الأزمة الحالية فريدة من نوعها ومجهولة المدى. خلال الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2020 بلغ حجم الواردات مئتين وسبعين مليون يورو، فيما وصلت النفقات إلى ثلاثمئة وعشرين مليونا. وقد تراجعت الواردات حاليا إلى حوالى 25 في المئة بسبب الواقع الذي يفرضه فيروس “كورونا”، مما سيؤدي إلى خفض النفقات”.
وختم رئيس جمعية “الناس للناس”: “هذا كله لم يمنع الفاتيكان من الوقوف إلى جانب المحتاجين ففتح لهم أبوابه في كثير من الأمكنة، وساهم ولو بفلس الأرملة في مكافحة “كوفيد19″ في إيطاليا، وفي مكافحة الفقر في عدد من دول العالم، لم يكن آخرها المساهمة بمئتي ألف دولار كمنح مدرسية للطلاب في لبنان”.