كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
بعد فشل حكومات الوحدة الوطنية أو تلك التي تضمّ الموالاة والمعارضة، على مرّ السنوات، في تأدية مهماتها بنجاح، بعيداً من أيّ إنجاز على المستويات كلّها، وبعد سقوط نظرية «ربط النزاع» بين قوى 14 آذار و»حزب الله»، يبدو أنّ التجربة الأولى بعد عام 2005، لحكومة «اللون الواحد» أو الإتجاه السياسي الواحد لم تؤتِ بإنجازات بدورها.
عند تأليف حكومة «مواجهة التحدّيات» برعاية ثلاثية رئيسية من رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» من جهة و«حزب الله» وحركة «أمل» من جهة ثانية، سوّق «التيار الوطني» وقريبون من عون، أنّ حكومة «اللون الواحد» ستُنجز ما لم تتمكّن حكومات الوحدة الوطنية من إنجازه، بسبب التناقضات والخلافات و«الفيتوات» السياسية التي كانت تعرقل أخذ أيّ قرار في مجلس الوزراء.
لكن الواقع يدحض هذا التصوُّر، فبقيت المناكفات السياسية والمصالح الحزبية والطائفية المتعارضة، الضيف الدائم على طاولة حكومة الرئيس حسان دياب منذ تأليفها، وبعد مرور ما يفوق الـ4 أشهر على عملها. إذ إنّ الخلافات بين أفرقاء حكومة دياب ذات «الإتجاه السياسي» الواحد، أدّت الى عرقلة قرارات كثيرة، ووصلت الى حدّ تهديد إستمرار الحكومة وخطر إسقاطها من الداخل مرات عدة. فسبق أن لوّح رئيس مجلس النواب نبيه بري مرة بسحب وزرائه منها، كذلك فعل رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية، وبدوره رفع رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» طلال ارسلان أخيراً ورقة تعليق مشاركته في الحكومة.
أمّا الخطر الأبرز الذي هدّد الحكومة، فهو الخلاف بين عون ومكوّناتها، وذلك على خلفية قرار مجلس الوزراء بالأكثرية، إستبعاد معمل سلعاتا في البترون عن خطة الكهرباء والتفاوض مع الشركات العالمية، في جلسة عُقدت برئاسة دياب في 14 أيار المنصرم. وانتهى الخلاف مرحلياً بعد «كسر» قرار مجلس الوزراء، إثر إعتراض عون ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وطلب عون من الحكومة إعادة النظر بقرارها هذا.
خطة الكهرباء هذه سبق أن أقرّتها حكومة الرئيس سعد الحريري السابقة بالإجماع، وكانت تضمّ الأفرقاء الذين يُشكّلون الحكومة الحالية، التي أكّدت في بيانها الوزاري إعتماد هذه الخطة، وأنّها ستعمل على تنفيذها. انطلاقاً من ذلك، يأتي طلب عون إعادة النظر بالقرار. وبمعزل عن «التخريجات» التي تحاول الحكومة من خلالها تبرير الرجوع عن قرارها، كشف هذا القرار حجم الخلاف بين عون و«التيار الوطني» من جهة، وبقية أفرقاء الحكومة من جهة ثانية، خصوصاً حركة «أمل» وتيار «المرده»، وصولاً الى ظهور خلافات مستجدة بين حليفي مار مخايل «التيار الوطني» و»حزب الله»، وإستخدام كلّ منهما سلاح الإعتراض والمناكفات السياسية، لإرساء وجهة نظره، إن داخل المؤسسات الدستورية أو عبر التصريحات والمواقف.
وكان بري دعا في الكلمة التي وجّهها الى اللبنانيين في 20 أيار الماضي، الى أخذ قرار «تحرير قطاع الكهرباء من عقلية المحاصصة المذهبية والطائفية والمناطقية والفدرالية والكونفدرالية…». والبعض اعتبر أنّ بري يوجّه كلامه هذا الى باسيل، الذي يصرّ على إنشاء معمل لتوليد الكهرباء في سلعاتا. وسبق كلام بري، هجوم شرس من فرنجية على عون وباسيل واتهامهما بـ»الكذب»، وتأكيده أنّه لا يوجد غاز في المياه اللبنانية.
وإلى بري وفرنجية، تعلو أصوات معارضة عديدة، تعتبر بدورها أنّ معمل سلعاتا «لا لزوم له»، وأنّ هدفه «خدمة مصالح باسيل الإنتخابية والشعبية والمناطقية والطائفية والمحاصصاتية».
هذه الإعتراضات يضعها عون و»التيار» في خانة إستهداف العهد وباسيل. وتردّ أوساط «التيار» الإتهامات الى مُطلقيها، الذين يعرقلون بناء معمل سلعاتا لأهداف شخصية ومالية. وتؤكّد «أننا لم ولن ننكسر، فالمعمل حاجة وإنجاز وطنيان».
أمّا مصادر بعبدا، فتستغرب قرار الحكومة السابق، القاضي بتعديل خطة الكهرباء، فيما أنّ «هذه الخطة أقرّتها الحكومة السابقة وأُدرجت في البيان الوزاري، وحظيت الحكومة بثقة مجلس النواب على أساس هذا البيان والخطة إحدى فقراته، فضلاً عن أنّه من الناحية التقنية يحتاج لبنان الى المعمل في سلعاتا، لأنّ إستهلاك الكهرباء سيزداد بعد سنوات مع إزدياد عدد السكان والعمل على تطوير قطاعي الصناعة والسياحة. كذلك حسب دراسة كهرباء فرنسا (EDF)، يحتاج لبنان معملاً إضافياً إلى المعامل الموجودة».
وتقول المصادر نفسها، إنّ «هذه القضية ليست شخصية، وإنّ شخصنة بناء معمل سلعاتا غاياته إستهدافية. فهو ليس مُخصصاً للرئيس عون. فإذا بدأت عملية إنشاء المعمل الآن سيستغرق إنهاؤه ثلاث سنوات، أي سيُنجز بعد انتهاء عهد عون. وهذا المعمل سيستفيد منه الجميع». وتسأل: «هل معمل الذوق الجديد يستفيد منه «العونيون» فقط؟ وماذا عن معمل الجية الإضافي؟».
وتعتبر أنّه «كما جرت العادة يُصار الى تسييس كلّ قضية، ويُغرقون البلد في قصص خلافية وشخصية لمنع الإنجاز والإنماء، فيما أنّ إنتاج الكهرباء يهدف الى التطوير والتخفيف عن الناس الإشتراك بالمولدات». وإذ تشير إلى أنّ «معمل سلعاتا قُرّر إنشاؤه عام 1978»، تسأل: «أين كان العونيون حينها؟»، كما تسأل: «أيّ جهات تستفيد من المولّدات الكهربائية وتمنع تأمين الكهرباء 24/24؟».
وتؤكّد أنّ «الحكومة عادت والتزمت خطة الكهرباء كما هي، لأنّها بقرارها السابق خالفت القانون من دون أيّ تبرير منطقي، وأنّه اتُفق على مخرج لتأكيد الخطة مثلما أقرّتها الحكومة السابقة، وضمناً المعامل الثلاثة (الزهراني وديرعمار وسلعاتا)».
وتعتبر أنّ «كلّ ما يُقال عن هذا المعمل هو «دعاية ممنهجة»، مثل الإستهداف الذي طاول عون عند طلب الحكومة إجراء تدقيق مالي في مصرف لبنان، واتهامه بأنّه يستهدف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وصولاً الى حدّ اتهام الرئيس بأنّه يغطّي تغيير النظام المالي والإقتصادي، فيما أنّ هدف هذا التدقيق إظهار صدقية لبنان أمام الخارج والدول المانحة، للتأكيد عند طلب المساعدات، أنّها لن تضيع مثلما حصل في الماضي». وتشير الى أنّ هذه «الدعاية» التي تسوّقها «الأوركسترا نفسها المعروفة»، تشمل «الشائعات عن صحة الرئيس، ومعروف من هو وراءها، وهي تستهدف العهد وباسيل، فهناك من بدأ باكراً خوض معركة الرئاسة».
هذا على صعيد المعارضين، أمّا بالنسبة الى قرار الحكومة بشأن معمل سلعاتا، فيقول قريبون من عون، إنّ «هناك أطرافاً في الحكومة لا تريد أن يتمكّن العهد من تحقيق إنجازات». وتسأل: «هل يهمّ «المرده» وحركة «أمل» أن يحقّق الرئيس إنجازات وطنية»؟.
ويؤكّد متابعون، أنّ هذه الواقعة، ترسي «تعاملاً حذراً» بين عون وحكومة دياب، خصوصاً إذا تفاقم الإختلاف بين «التيار الوطني» و»حزب الله»، هذا إذا تمكّنت الحكومة من «مواجهة التحدّيات» ولم تسقط تحتها». فأيّ حكومة ستسمح لعهد عون بالإنجاز؟