كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
ليس من الصعب إجراء أيّ تصنيف للتركيبة الحكومية التي اعتقد البعض انها متجانسة ويمكن ان تعمل كفريق عمل واحد قبل ان يفتك بها الصراع من داخلها، وهو ما أدى بالبعض من وزرائها الى الشعور بتجربة صعبة. فهم مقتنعون انّ أعداءها كثر رغم اعتراف الجميع انّ ما تواجهه لم تعشه أي حكومة أخرى. وعليه، كيف تجري الامور من داخلها؟
في جلسة مصغّرة جمعت عدداً من الوزراء على هامش إحدى المناسبات، أجرى أقدمهم جردة سريعة لشكل وتركيبة الحكومة بعيداً من الإصطفاف السياسي والحزبي الذي وَسمها قبل ساعات قليلة على ولادتها، فلم يجد من بين أعضائها سوى 5 وزراء يمكن الرهان على وقوفهم الى جانب رئيس الحكومة حسان دياب اذا تعرّض لعملية تطويق شاملة من القوى السياسية التي رَعت التركيبة الحكومية.
وفي جلسة مماثلة أعقبت جلسة 14 أيار الماضي التي شهدت التصويت على ملف تأجيل بناء معمل سلعاتا لإنتاج الطاقة الكهربائية الى الوقت الذي تتوفّر فيه الاموال لتنفيذ المشروع، إذا ظهرت الحاجة إليه بعد بناء معملي الزهراني ودير عمار وتغويزهما، لاحظ انّ العدد ارتفع الى 6 وعجز عن إضافة اسم وزير آخر يمكن ان يعبّر في قراره عن هامش واسع من الاستقلالية في حركته. وبمعزل عن الاستحقاقات التي ترعاها تفاهمات وزارية كبرى تلتقي حولها كتل حكومية كبرى أو تتجاذبها خلافات مماثلة، لم يتمكن من رفع العدد الى 8 وزراء. ورَدّ بذلك حجم التصويت على مصير معمل سلعاتا الى تفاهمات جمعت كتلاً وزارية عدة أنهت دور الوزراء المستقلين ودمجتهم بأكثرية متفاهمة على النتيجة، فرفعت العدد الى 15 وزيراً مقابل 5 كانوا من وزراء التيار فقط دون حلفائهم الذين خرجوا للمرة الأولى عن «بيت الطاعة».
لم تكن هذه المعادلة، بالنسبة الى أحد الوزراء الذي يشعر بالإنتفاضة اليومية على ما يجري، مجرد أرقام، فهو يدرك انّ الحقيقة لم تكن يوماً ملكاً لطرف واحد من اطراف الحكومة وتركيبتها. فهو يفصل جيداً بين أخطاء هذه الكتلة او تلك كما بالنسبة الى أخطاء رئيس الحكومة والوزراء وهو منهم. فهو ممّن تسمح له ظروفه بأن يسجّل بنبرة عالية كثيراً من الملاحظات إزاء أحداث كانت تقع في كواليس الجلسات الحكومية وكان يسمع عنها من وزراء سابقين من دون ان يصدقها قبل أن يخوض التجربة بنفسه هذه المرة.
على هذه الخلفية، لا يتسرّع في توصيفه لِما يجري في بعض الجلسات ليؤكد «ظنّنا اننا نحن من يقرّر، وانّ الجلسات الوزارية المطوّلة ستسمح بتبادل الآراء لاتخاذ القرار المناسب». لكنه اكتشف بعد سلسلة من التجارب انّ «التغليف والتعليب» يجري خارج قاعات مجلس الوزراء، وانّ التفاهمات المسبقة تلغي آراء الوزراء المستقلين فيجدون أنفسهم وقد انساقوا الى تنفيذ رغبات مَن صاغها. فيعود في كل مرة الى «صديقه الصادق» الوزير السابق ليعيطه كل الحق.
لا يتعثّر عند حديثه عن بعض «الاخطاء»، معتقداً انّ بعضاً منها كان مجرد خطأ تقني، ليكتشف لاحقاً انها وإن لامسَت «الجريمة الكبرى» فليس هناك من يعتبر او يتنبّه الى عدم تكرارها مرة أخرى. ولا يكتفي بذلك ليروي بعضاً من فصول الجلسات الوزارية التي تناولت الملفات الكبرى، والتعيينات واحدة منها. فإلى الكواليس التي أطاحت بالمناقلات والتشكيلات القضائية التي بقيت خارج أسوارها، إلا انها انعكست في ما رافقها من إشكاليات لاحقاً على ملف التعيينات المالية في مصرف لبنان، فلم يفهم لماذا طرحت ولماذا سحبت من التداول سوى الحديث المعمّم بحثاً عن الشفافية والإستقلالية وإعطاء الأهمية لِما يسمّى بالخبرة والمعرفة بمعزل عن الانتماء المذهبي كما بالنسبة الى التدخلات الخارجية. ولكنه يعترف لاحقاً انه لم تثبت أيّ منها لديه حتى اليوم بشكل يضمن ما كان يعتقده قائماً على مستوى أعلى سلطة في الدولة.
وإن توَسّع – الوزير المنتفض – أكثر في ملاحظاته لا يرى بدّاً من الإشارة الى انّ التعيينات الادارية تطرح في وسائل الاعلام قبل بلوغها جداول اعمال مجلس الوزراء. ففي مقابل الجدل الذي أثارته بعض التعيينات في مواقع مختلفة لا يرى نقاشاً في المواقع الشيعية التي تأتي جاهزة غير قابلة للنقاش. ويسترسل ليروي: عندما طرح في جدول الاعمال تعيين اسم واحد في موقع من الفئة الأولى في إحدى الوزارات، كدنا نرتكب خطأ لو لم يتنبّه البعض قبل الجلسة بساعات، بأنه لا يمكن الذهاب به وحيداً الى الجلسة وانّ المطلوب ثلاثة أسماء على الأقل قبل أن يُفاجأ بعد المداخلات التي أجريت انّ الوزير المعني بالتعيين لم يتسلّم سوى اسم واحد فنَقله بـ»أمانة». وهو الذي أنيطت به صلاحية طرح الأسماء الثلاثة، قبل ان يتوفّر الإسمان الإضافيان في اللحظات الأخيرة دون ان يكون له أي رأي فيهما. ويضيف: المؤسف انّ هذا الوزير هو من الذين يطالبون بإلغاء الآلية المعتمدة على مستوى الفئة الأولى في الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات المستقلة بعدما أنيطت بثلاثية وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ومجلس الخدمة المدنية والوزير المختص، والتي تتولّد منها الأسماء الثلاثة المقترحة قبل اختيار أحدهم بـ»الصوت التفضيلي» للوزير ومجلس الوزراء، وكلّ ذلك حفاظاً على ما يسمّيه صلاحية الوزير الدستورية التي تعطّلها مثل هذه الآلية.
والى هذه التجربة كنّا نقع بواحدة مثلها لو تم تعيين احد الأشخاص المقترحين في موقع حساس، وقد أدين مرتين على الأقل بانتهاكات وخروج على أصول المهنة وكاد يمرّ لو لم تستبقه وسائل الاعلام بالسيرة الذاتية التي تناقض ما طرح على الوزراء وما كان مقتنعاً به رئيس الحكومة.
هذا غيض من فيض، ولكنّ الوزير المنتفض يستطرد ليقول: ما لم أفهمه بعد انه وباعتراف من أهل السلطة انّ الحكومة الحالية هي حاجة ماسة لأركانها، وهي ملاذهم الوحيد قبل الوقوع في الفراغ الحكومي مرة أخرى، فلماذا الإمعان في هدمها وتوجيه الضربات القاتلة إليها بشكل مكثّف من الداخل والخارج معاً، من دون مراعاة أبسط قواعد العلاقات الواجب قيامها بين السلطات؟ فما جرى في ملف سلعاتا وفي كواليس التعيينات الإدارية وقبلهما في تجارب عدة، يؤدي الى إسقاط هيبة الحكومة وضرورة حمايتها ممّا لم تكتسبه من مناعة كافية لا يزال رئيسها يحتاجها من ضمن بيئته المذهبية وهو أمر لا يخدم الآخرين. إلّا انه استدرك وقال: ما الذي يقودني فعلاً الى الإعتقاد انّ في ذلك خطأ؟ ألا يعقل ان يكون ذلك مقصوداً لأكثر من هدف وغاية؟ وهو امر لا يمكن الإجابة عنه اليوم؟!.