كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
كشف السيناريو الهزلي الذي اعتمدته حكومة الرئيس حسان دياب مؤخراً لتخريج الخلاف الناجم حول ادراج معمل «سلعاتا» الكهربائي ضمن الخطة العامة للكهرباء، بالتصويت في البداية بإيعاز من «حزب الله» ضد هذا الطرح المدعوم من رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل، ثم العودة عن هذا القرار بعد أيام معدودة وبإيعاز من الحزب أيضاً، ثلاثة مؤشرات لافتة تقتضي التمعن فيها لتلمس مراميها وابعادها السياسية، الأوّل هو تفاعل الخلاف الناشب بين الحزب من جهة والفريق الرئاسي من جهة ثانية، رغم كل محاولات التستر عليه ونفيه من قيادات الطرفين معاً ويتعلق بمسائل داخلية مهمة تتعلق بضعضعة التحالفات ضمن الفريق الواحد كما حصل مع رئيس «تيار المردة» الوزير السابق سليمان فرنجية وحول مسائل تتعلق بمحاولات التفلت من التحالف التقليدي مع الحزب وفتح اقنية تواصل ولقاء مع مبعوثين اميركيين وتبادل خدمات بمعزل عن التنسيق والتشاور الاعتيادي المطلوب، كما حصل في عملية إطلاق سراح العميل عامر الفاخوري وتسهيل مغادرته للبنان بما يتعارض مع توجهات وسياسة الحزب بهذا الخصوص.
وقد أراد الحزب من اتّباع هذا السيناريو الملفت توجيه رسالة مزدوجة لرئيس الجمهورية وصهره، بأنه هو ما يزال يمسك بقرار الحكومة ويوجه سياستها الخارجية وللتأكيد بأن هوامش التحرّك المسموح فيها داخلياً بما يخص المصالح السياسية الحزبية الضيقة والمكاسب الإدارية وغيرها للأطراف المشاركين فيها، فلا يمكن ان تشمل انتهاج سياسة منفردة مع الخارج وتحديداً مع الأميركيين لملاقاة الاستحقاقات المقبلة ولا سيما ما يتعلق منها بانتخاب الرئاسة وغيرها أو تفادياً لما يتردد من عقوبات جديدة محتملة على الحزب وحلفائه واصدقائه بما يتعارض مع توجهات الحزب ومصالحه الاستراتيجية في ظل المواجهة المحتدمة حالياً بين الأميركيين وإيران بالمنطقة عموماً ولبنان ليس خارجها.
أما المؤشر الثاني بضم معمل «سلعاتا» إلى خطة الكهرباء بموافقة «حزب الله»، فيعني تجاهل كل المطالبات المحلية والدولية بشمول الإصلاحات ملف الكهرباء عموماً كشرط أساسي لتسهيل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي لتقديم الدعم المالي المطلوب لمساعدة لبنان على حل الأزمة المالية والاقتصادية التي يتخبّط فيها.
دياب مستعد للتقلب والتخبّط في القرارات التي تتخذها الحكومة حسبما تقتضي مصلحة بقائه
فهذا المؤشر هو بمثابة رسالة سلبية فجّة بتوقيع من الحزب والفريق الرئاسي معاً لرفض كل المطالبات والشروط الموضوعة للمباشرة باجراء الإصلاحات في المؤسسات والإدارات الرسمية التي تستنزف خزينة الدولة اللبنانية وفي مقدمتها ملف الكهرباء الذي كلف عشرات مليارات الدولارات على مدى السنوات الماضية ولم يتقدّم خطوة واحدة إلى الامام، بل ما يزال يسجل تراجعاً في تقديم التيار الكهربائي إلى اللبنانيين خلافاً لما كان مرتقباً في السابق.
فهذا التصرف الهش والأداء السيئ في ما يخص معمل «سلعاتا»، يعطي دليلاً واضحاً على نوايا سلبية مبيتة للأطراف الداعمين له وتحديدا «حزب الله» و«الفريق الرئاسي» على حدٍ سواء لاعاقة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي في هذا الوقت بالذات وعدم وجود رغبة حقيقية لإنجاح هذه المفاوضات بما يؤدي إلى تسريع عقد الاتفاق المطلوب مع الحكومة اللبنانية للمباشرة فعلياً بتنفيذ الحلول المطلوبة لإخراج لبنان من ازمته المالية الضاغطة بقوة على معيشة اللبنانيين واوضاعهم الاجتماعية.
ولذلك، لم تصدر الاخبار التي تروج لإمكانية فشل المفاوضات الجارية بين الحكومة والصندوق من هباء، بل قد تكون مقدمة لما يطبخ سراً لتفشيل متعمد لهذه المفاوضات، لأن عدم تجاوب الدولة عموماً والحكومة خصوصاً مع مطالب وشروط اجراء الإصلاحات الضرورية كما حصل في القرار الذي اتخذته الحكومة في ملف الكهرباء بخصوص معمل «سلعاتا» غير الضروري والمكلف مادياً بمئات ملايين الدولارات، اقوى دليل على هذا الاحتمال السلبي المتوقع الذي سيطيل أمد الأزمة التي يواجهها لبنان ويزيد من معاناة اللبنانيين عموماً، ولان اجراء الإصلاحات في القطاعات التي تستنزف مالية الدولة كالكهرباء والتهرب الضريبي والجمركي سيضُّر كثيراً بالاطراف التي تستأثر بجانب كبير من الأموال المهدورة في هذه القطاعات، وتحديداً «التيار العوني» و«حزب الله» وبالتالي لن يكون في مصلحتها تسهيل وتسريع اجراء الإصلاحات فيها.
اما المؤشر الثالث فهو استعداد رئيس الحكومة حسان دياب للتقلب والانقلاب والتخبط في القرارات التي تتخذها الحكومة حسبما تقتضي مصلحة بقائه في سدة رئاسة الحكومة. فلا يهم ان يخوض معركة «حزب الله» ضد رئيس الجمهورية كما حصل في التصويت ضد ملف «سلعاتا» ثم مراضاته بناءً على طلب الحزب، وقبلها خاض معارك جبران باسيل ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيرها من المعارك الخاسرة مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي في أكثر من ملف، وليس مهماً ما يقدمه للبنانيين من إنجازات فراغية ووهمية يحصد من جرائها النّاس الانهيارات المتسارعة بتراجع قيمة العملة الوطنية والتزايد الجنوني لغلاء السلع والحاجات الضرورية والمعيشية.
كل ذلك ليس مهماً في حساباته، المهم الوحيد لديه هو استفادته من حالة الفراغ السياسي السائد والانهيار المتواصل للبقاء في سدة رئاسة الحكومة اطول مُـدّة ممكنة ولو كان ذلك على أنقاض البلد، فلا يهم.