اذا كانت النيران تلتهم ما تبقّى من “هيكل” الدولة السيّدة وتُدمّر معها قطاعات حيوية وأساسية كانت تُشكّل مرادفاً لهوية لبنان “الفريدة” التي تجمع بين أصالة الشرق وحداثة الغرب لعل أبرزها القطاع المصرفي وقطاع السياحة والخدمات، الا ان دخانها الحقيقي يتصاعد من مكان اخر، وتحديداً من “مدخنة” الصراع المستفحل بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة وايران ومعها محور الممانعة في الجهة المقابلة، فيُخيّم على أجواء المنطقة عامةً “ليخنق” كل معني به سواء كانوا دولاً أم أحزاباً مع ثابتة وحيدة أن الشعوب هي الضحية الاولى له.
وحتى الان لم يخرج هذا الصراع من إطار “القوّة الناعمة” التي تستخدمها واشنطن لتحجيم نفوذ طهران في المنطقة تارةً عبر السلاح الاقتصادي من خلال العقوبات الاقتصادية على شركات وكيانات وحتى افراد يموّلون نظام الملالي وطوراً عبر توسيع شبكة الضغط الدولية على أذرعها العسكرية، خصوصاً حزب الله بتصنيفه منظّمة ارهابية بجناحيه العسكري والسياسي، ما يعني ان محور الممانعة بقيادة الجمهورية الاسلامية لن تكون له كلمة الفصل في جملة إستحقاقات مقبلة عليها المنطقة، وانما سيكون في دائرة “تلقّي الضربات”-وعلى أنواعها والتي تأتيه من إتّجاهات متعددة.
ولا شك ان لبنان لن يكون بمنأى عمّا يجري لكَون حزب الله، أحد أبرز اذرع ايران العسكرية، ادخله في الصراع الدائر بعدما ضرب عرض الحائط سياسة “النأي بالنفس” التي وافق عليها يوماً ما واعلان بعبدا الذي وقّع عليه. لكن مع إشتداد الضغط على ايران وحلفائها والمتوقّع ان يبلغ ذروته مع بدء تنفيذ قانون “قيصر” لمعاقبة كل من يتعامل مع النظام السوري، هل سيبقى هذا المحور “فاعلاً” بالمعنى السياسي في المنطقة ومؤثّراً في إستحقاقاتها كما كان في السابق، لاسيما في عهد الرئيس باراك اوباما؟
اوساط دبلوماسية غربية إستبعدت عبر “المركزية” “ان يكون لإيران دور في استحقاقات المنطقة، لانها باتت تحت المجهر الدولي بدفع من الولايات المتحدة، من هنا فإن دور حليفها في لبنان حزب الله لن يكون بالزخم نفسه كما في السابق، لان قوّته يستمدها من قوّتها، فإذا ضعفت يضعف حكماً والعكس صحيح”.
ويأتي في الاطار، الاستحقاق الرئاسي المُنتظر في لبنان في العام 2022 الذي غالباً ما يكون إنعكاساً للمشهد الاقليمي والدولي وهو ما حصل مع إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. فصحيح انه حظي بغطاء سني ومسيحي تمت ترجمته بتسوية كان “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” ابرز عناصرها، الا ان اللعبة الدولية آنذاك، حيث كانت إدارة اوباما “تهادن” النظام الايراني اتاحت وصول العماد عون الى سدة الرئاسة دون غيره.
ولفتت الاوساط الى “ان زمن الاول تحوّل، والمتغيّرات التي طرأت في المنطقة لن تكون لصالح ايران وحزب الله. فالخلاف مع الولايات المتحدة الذي بدأ مع خروجها من الاتفاق النووي فضلاً عن إبتعاد دول الاتحاد الاوروبي عن ايران، لاسيما بعد الموقف الالماني الاخير من اعتبار حزب الله منظمة ارهابية وحظر نشاطه ولحقتها منذ ايام جارتها النمسا وقبلهما بريطانيا واخيراً فرنسا بعد قرار ايران بسجن فرنسية من أصل ايراني بتهمة التعرض للامن، كل المؤشرات تُفضي الى إنحسار نفوذ ايران في محور لبنان سوريا العراق واليمن”.
وسألت “مع كل هذه التطورات يُضاف اليها قانون “قيصر” والمعلومات المتداولة في الكواليس الروسية عن اطاحة النظام السوري ورأسه بشار الاسد، هل يُمكن تصوّر رئيس للجمهورية اللبنانية في العام 2022 من محور الممانعة وفريق 8 آذار، او من المحسوبين على الرئيس الاسد تاريخيا؟
وختمت “يبدو ان رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “فهم” ما يجري في المنطقة والتقط الاشارات سريعا ، لذلك إتّخذ سلسلة مواقف وخطوات “لافتة” في الفترة الاخيرة لإبعاد “صبغة” الممانعة عنه، بدءاً بإطلاق سراح العميل عامر الفاخوري مروراً بكلامه عن قوى الامر الواقع المُسيطرة على المعابر الحدودية وصولا الى لقاءاته المطولة مع السفيرة الاميركية دوروثي شيا واطلالتها اخيرا عبر محطة التيار التلفزيونية لتطلق مواقفها المعهودة ضد حزب الله. فهل هذه المواقف وما بينها من كلام لنواب تكتله عن السلاح بمثابة أوراق إعتماد لاستحقاق رئاسة 2022″؟