كتب حبيب معلوف في صحيفة “الأخبار”:
لا يزال مصير الخطط المستدامة لأزمة النفايات غامضاً، على رغم بعض التقدم في تبني وزير البيئة دميانوس قطّار لفكرة ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية المعتمدة لإدارة هذا الملف. كما لم يُعرف بعد مصير الخطط الطارئة الجديدة (من عام 2016)، إذ لم يُمدّد لمطمر الجديدة إلا لثلاثة أشهر، فيما تتناقص القدرة الاستيعابية لمطمر كوستابرافا بسرعة بسبب ضمّ نفايات منطقتَي الشوف وعاليه إليه ولعدم إنجاز معمل التخمير الذي كان يُفترض أن يُنشأ في المطمر.
هذه أهم خلاصة لاجتماع لجنة البيئة النيابية أمس، وهو بعد «كورونا»، والأول أيضاً مع وزير البيئة دميانوس قطار، وقد خُصص للبحث في قضية النفايات.
الخلاصة الثانية هي الرسالة التي وجّهها رئيس اللجنة النائب مروان حمادة إلى قطار، ومن خلاله إلى الحكومة، بعدم استسهال طرح إعادة فتح مطمر الناعمة الذي حمل نحو نصف نفايات لبنان لمدة 18 سنة (بعد إشارة قطار إلى أنه طلب دراسة القدرة الاستيعابية لمطمر الناعمة).
في الاجتماع، الذي حضره نواب من لجنة البيئة وخارجها، عرض قطار ثلاثة متحوّلات في ملف النفايات: عدم تطبيق اللامركزية الواردة في قانون النفايات لعام 2018 ولا سيما بعد سحب موضوع استرداد الكلفة؛ مشكلة تغيّر سعر الصرف، ومشكلة عائدات البلديات في الصندوق البلدي وضعف المالية العامة. ولفت إلى إلغاء الاتحاد الأوروبي هبات كانت مخصّصة لإنشاء مزيد من المعامل بقيمة 37 مليون دولار، من دون التطرّق إلى الأسباب، وبينها فشل وضع أطر تنظيمية على المستوى المركزي، إضافة إلى المشاكل اللامركزية والمحلية وضعف الإطار الإداري الأوروبي الذي تلبنن!
وزير البيئة اعتبر أن مشكلة النفايات في بيروت وجبل لبنان غيرها في بقية المناطق، وأن الهدف هو تحويل المكبات العشوائية في المناطق إلى مطامر، وتغيير التكنولوجيا في بيروت وجبل لبنان، لافتاً إلى أنه «ليس هناك حل واحد، بل حلول متنوعة حسب المناطق والوضع الثقافي والمالي وقدرات السلطات المحلية». وأشار إلى أنه يعمل حالياً مرسوم الهيئة الناظمة للقطاع، لإنهاء التنازع على الصلاحيات بين وزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار ووزارة التنمية الإدارية والسلطات المحلية ووزارة الداخلية والبلديات، مُقراً بمشكلة غياب الاستراتيجية التي كان يفترض أن تسبق القانون والمراسيم التنظيمية. وكانت الحكومة السابقة صادقت على «خارطة طريق» للنفايات، تستند إلى «مسودة» استراتيجية مترجمة (وضعها خبير أجنبي) وعد قطّار بإعادة درسها وتقييمها وإعادة النظر في القانون نفسه. علماً أن إعادة النظر في الاستراتيجية يفترض أن تنطلق من مبادئ محددة وتضع الأولويات في الخيارات، وأن تُستبعد خيارات الحرق بأشكاله المتعددة لمصلحة الاقتصاد الدائري الذي يناسب أوضاعنا الاقتصادية.
وأخذ موضوع إنشاء معامل للمعالجة حيزاً مهماً من النقاش. فأشار وزير البيئة إلى وجود 55 معملاً (للفرز والتسبيخ)، مقسّمة بين 4 معامل و3 مطامر مركزية في بيروت وجبل لبنان، و15 معملاً وخمسة مطامر لامركزية بإدارة مشاريع وزارة التنمية الإدارية، والبقية لا مركزية أيضاً بإدارة بلديات والتي تعاني جميعها من الحوكمة الهزيلة والأزمات المالية والإدارية… وأظهرت بعض المداخلات الكثير من التناقضات في طرق مقاربة هذا الملف. فرغم الإجماع على أن الأزمة اقتصادية، لا يزال البعض يفكر في أغلى الحلول لمعالجة النفايات كمعامل التفكّك الحراري التي لا تناسب لبنان لا لناحية وضعه الاقتصادي ولا لناحية وضعه العلمي والتقني والاجتماعي. كما غاب عن هؤلاء أن فرض الحلول لا يكون بقوة عضلات الدولة بل بقوة حججها التي تترجم في استراتيجية عادلة وشاملة تعيد الثقة المفقودة بين المواطن والمسؤول، وليس الخطط التي توضع بناءً على طلب المستثمرين من أصحاب الحظوة. والمدخل الذي يفترض رصده لتقييم حركة الوزير الجديد للبيئة وطرق المراقبة والمحاسبة في مجلس النواب ولجانه المختصّة، حول هذا الملف، هو بوضع الاستراتيجية في أولويات البحث في الفترة المقبلة، ومراجعة الخطط الطارئة وتعهداتها ووضع متعهّديها موضع المساءلة والتقييم والمحاسبة. وإلا لن يصل هذا الملف إلا إلى مزيد من التأزم، وإلى فوضى وكوارث، لا أحد يستطيع أن يتكهّن كيف تبدأ ولا كيف تنتهي.