يندفع لبنان تدريجاً نحو «ممرّ الفيلة» وسط اشتداد الصراع في المنطقة التي تضرب موعداً مع صيفٍ يشي بأن يكون «ساخناً» وباتت «بلاد الأرز» في «عيْنه» بعدما تَكاتَف الانهيارُ المالي وسقوطُ آخِر «ستارٍ فاصلٍ» بين السلطة و«حزب الله»، لتصبح بيروت وكأنها في «سباقِ حواجز» تخوضه بأحمال ثقيلة داخلية وخارجية صارتْ بمثابة «حقل ألغام» في الطريق الشائك إلى… الأمان المفقود.
وفيما تتهيأ «الأرض» لتحرّكاتٍ تبدأ غداً، ويفترض أن تشهد محطة بارزة السبت في «ساحة الشهداء»، وسط ارتسام ملامح خط دفاع هجومي رسمتْه الحكومة عبر «الحديث» عن شغب ودم يُراد استغلالهما بوجهها ومواقف عكستْ منحى أمنياً سيكون متشدداً بإزاء «المشاغبين وقاطعي الطرق»، فإنّ الائتلافَ الحاكِم، بات على وهج «قانون قيْصر»، أمام محكِّ مدى القدرة على المواءمة بين أكلاف ترْك البلاد وإمرتها الاستراتيجية في خدمة مشروع «حزب الله» الإقليمي، وبين مقتضيات توفير مظلّة دعْم دولي للبنان تفرْمل مسار السقوط الحرّ… القاتِل.
وإذ تعاطي لبنان الرسمي مع «قيصر» على طريقة «أخْذ العِلم» به، كنصٍّ قانوني، في مجلس الوزراء قبل أن تنطلق أمس رحلة تقييم لبنوده عبر لجنة وزارية بهدف استكشاف إمكانات التكيّف معه أو التنصل منه «ليُبنى على الشيء مقتضاه»، فإنّ الارتيابَ الذي عبّرتْ عنه تقارير صحافية (في إعلام قريب من «حزب الله») من استحضار هذا القانون إلى طاولة الحكومة وزجّ نفسها في اتخاذ موقف منه، يعكس الانعكاسات الداخلية الـ«ما فوق عادية» لهذا الملف. وترى أوساط واسعة الاطلاع عبر «الراي» أن مصير الحكومة أصبح عملياً في «فم قيصر»، معتبرة أن أي انزلاقٍ لها نحو «تطبيعٍ» مع هذا القانون ولو بالحد الأدنى سيعني «تطييرها» من الداخل بـ«بطاقة حمراء» من «حزب الله»، ولافتة إلى أن شرط استمرار هذه الحكومة عدم الانصياع لـ«قيصر الأميركي» الذي يَعتبره الحزب نسخةً بـ«أنياب» للمواجهةِ التي تخوضها واشنطن مع إيران وأذرعها لضرْب «المحور» وكسْر هلال نفوذه المترامي جغرافياً والذي يرتبط به لبنان عبر الحدود مع سورية.
وترى هذه الأوساط أن أي تفكير بـ«النأي بالنفس» عن هذا القانون على قاعدة أنه سياسيّ وأن الحكومة تكنوقراط سيصطدم سريعاً بحقيقة أن «قيصر» بقبّعتين سياسية واقتصادية ويرمي تحت ضغط سيف العقوبات إلى قطْع أي تعاون على هذين المستوييْن (والعسكري) مع النظام السوري، وهو ما بدأ يتلمسّه لبنان باكراً عبر طرْح علامات استفهامٍ حول إمكان مضيّ مؤسسة كهرباء لبنان بتجديد عقود استجرار الطاقة من سورية، ناهيك عن سائر التعاون القائم بين وزارات في البلدين وخطوط التهريب المفتوحة، إلى جانب أن الممرّ التجاري للبنان («ترانزيت») عبر دمشق سيكون من الصعب «حماية» موجباته في ظلّ استحالة تَصَوُّر تراجُع نظام الرئيس بشار الأسد عن اشتراط تنسيقٍ ولو موْضعي مع بيروت.
ووفق الأوساط نفسها، فإن «حزب الله» الذي لا يُخْفي أن لبنان لن يحصل من مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي حول برنامجٍ تمويلي إلا «على ملايين (من الدولارات)»، بات يقْبع بين معادلةٍ قوامها أن أي تسليمٍ بمفاعيل «قيصر» من الجانب الرسمي سيكون بمثابة رفْع «الراية البيضاء» أمام واشنطن الرامية إلى «خنْقه»، وأن «طريق الشرق» تبقى الخيار المتاح.
ويتْرك هذا المسار الملبّد بالمخاطر الكبرى علاماتِ استفهامٍ حول تداعياته المحتملة ولو بعد حين على التفاهم بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» وكلاهما يشكلان القاطرة للوضع الداخلي، في ظلّ تعاطي دوائر عدة مع إشاراتٍ أطلقها رئيس التيار جبران باسيل أخيراً وصولاً إلى إطلالة السفيرة الأميركية دوروثي شيا عبر شاشة «او تي في» موجّهة السهام إلى الحزب وملوّحة بعقوبات على حلفاء له على أنها مقدمات تمايُز على خط «شد الحبال» القديم – الجديد بين الأهداف السلطوية للتيار والإستراتيجية للحزب.
وعلى وقْع ضوضاء «قيصر» التي خطفت الأضواء من «كورونا» الذي سجّل أمس، 14 إصابة جديدة (6 لمقيمين و8 لوافدين) وسط اتجاهٍ لتمديد التعبئة العامة، تحت سقف فتْح البلد في غالبية قطاعاته، لأسبوعين على الأقلّ، حرص لبنان الرسمي على إطلالة دولية قدّم من خلالها إحاطة بموقفه المتمسك بالتمديد لقوة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب (نهاية أغسطس المقبل) والإبقاء على عديدها وعلى قواعد الاشتباك نفسها التي حكمت عملها منذ صدور القرار 1701 في أعقاب حرب يوليو 2006 بين إسرائيل و«حزب الله».
وبدا واضحاً من مجريات الاجتماع الذي عقده عون في القصر الجمهوري أمس بحضور رئيس الحكومة حسان دياب وسفراء الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وممثل الأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، تَمسُّك الولايات المتحدة بالضغط في اتجاه إعادة النظر بالتفويض الممنوح لـ«اليونيفيل» عبر توسيع مهماتها بما يسمح لها بدخول الملكيات الخاصة وإلا خفْض موازنتها وتقليص عديدها، وفق ما كانت عبّرت عنه مداولاتٌ في أروقة الأمم المتحدة قبل أسابيع، في مقابل رفْض صريح للبنان الذي يخشى أيضاً محاولاتٍ لمدّ ولايتها في اتجاه الحدود مع سورية.
وقال عون: «ينص الدستور على احترام الملكيات الخاصة التي يتطلب الدخول إليها الحصول على موافقات مسبقة ومواكبة من السلطات المختصة. وإذ أشدد على أن الحفاظ على الاستقرار في الجنوب يبقى من مسؤولية الحكومة والجيش، أشير الى تقديم الجيش كل التسهيلات اللازمة لليونيفيل وفق ما تطلبه من أجل حسن تنفيذ مهامها».
وإذ أكد «أن لبنان يأمل أن يتمكن قريباً من استعادة مزارع شبعا والتوصل إلى حل لنقاط الخط الأزرق التي يتحفظ عليها، وترسيم الحدود البحرية، ويتمسك حاليا بقوات اليونيفيل والدور الإيجابي الذي تلعبه»، ذكّر «بقرار مجلس الوزراء بالتوجه إلى مجلس الأمن لطلب تمديد مهمتها لسنة إضافية من دون تعديل لولايتها ومفهوم عملياتها وقواعد الاشتباك الخاصة بها».
من ناحية ثانية، نفت رئاسة الجمهورية في بيان، «الادعاءات التي تلجأ إليها جهات سياسية واعلامية من حين لآخر، بأنّ رئاسة الجمهورية تهيمن على صلاحيات مجلس الوزراء، وتنسب إلى رئيس الجمهورية ممارسات تدّعي انها تخالف الدستور، وتحوّل نظام الحكم الى حكم رئاسي، من خلال الايحاء بمصادرة دور رئيس مجلس الوزراء».
ميدانياً، أكدت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، أنها عملت الثلاثاء في منطقة الهرمل – البقاع على إقفال ثلاثة معابر غير شرعية، كما أوقفت المواطن (ع. د.) الذي كان يقود بيك آب، من دون أوراق قانونية.