لم تكن الكباشات السياسية التي اشتعلت عواصفها في الأيام والأسابيع الأخيرة إلا ضربة جديدة تلقتها حكومة الرئيس حسان دياب، ليس فقط من معارضيها المعروفين، بل من رعاتها والقيمين عليها. بدليل أن الجرح الذي اعتمل طويلا بين الحليفين التقليديين، التيار الوطني الحر وحزب الله، خرج إلى العلن، أخيرا بتصريح ناري لنائبة رئيس التيار مي خريش التي اتهمت الحزب بعدم ملاقاة التيار إلى منتصف الطريق وتركه وحيدا في مجال مكافحة الفساد. موقف عالي النبرة أتى بعد الهجوم العنيف الذي شنه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في مؤتمره الصحافي الأخير (الذي يرجح البعض أن حزب الله كان على علم به) على رئيس التيار جبران باسيل.
ولم يكن ينقص هذا الواقع المترهل بين أطراف 8 آذار إلا ملف مكهرب كذاك المتعلق بمعمل سلعاتا الذي أعاده مجلس الوزراء على حين غرة إلى الحياة، برغم اعتراض لم يخفه يوما كثير من المكونات الحكومية، على رأسها الثنائي الشيعي وتيار المردة.
ففي وقت تفيد المجريات التي سبقت وتبعت الجلسة الحكومية الشهيرة في بعبدا في 29 أيار الفائت بأن معمل سلعاتا عاد إلى الواجهة باتفاق سياسي قد يكون أُبرم بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة، نبهت مصادر سياسية عبر “المركزية” إلى أن أبعد من تسديد سهم في اتجاه مصداقية الحكومة قد يكون القشة التي ستقصم ظهر البعير بين السراي وحزب الله. بدليل أن أوساطا في 8 آذار لم تخف، عبر “المركزية”، اعتقادها بأن الجلسة الحكومية “الكهربائية” بامتياز أكدت لحزب الله ما كان يجهد لتجاهله والقفز فوقه في الفترة السابقة، على اعتبار أن الحكومة تعمل وفق “توقيت ساعة التيار الوطني الحر”، بدليل أن الحكومة عينها التي رفضت السير بمعمل سلعاتا الذي يناضل من أجل إقراره العونيون دون سواهم، عادت وأقرت العمل بخطة حكومة الحريري التي أسقطها ثوار 17 تشرين في الشارع، مع العلم أن دياب لطالما دأب على تأكيد أن فريقه مؤلف من اختصاصيين غير سياسيين يمثلون نبض الشارع اللاهب.
تبعا لذلك، ترجح الأوساط عينها أن يكون شعور يصح اعتباره ندما قد بدأ يخالج حزب الله الذي ضغط لضم دياب إلى نادي رؤساء الحكومات، ليكون على رأس حكومة تؤمن له غطاء سياسيا مطلوبا في مرحلة اقليمية شديدة الدقة. غير أنها لم تف، حتى اللحظة على الأقل، الغرض منها.
تبعا لذلك، يعتقد كثيرون أن هذا التضارب في المصالح بين الحكومة والحزب قد يدفع بالأحداث المحلية إلى الذهاب إلى حكومة جديدة يضبطها الحزب على توقيت مصالحه حصرا. إلا أن أوساط 8 آذار أكدت أن الضاحية تعرف تمام المعرفة أن أي تغيير في الحكومة ورئيسها راهنا قد يكون ضربا من الجنون، بدليل أن خيار إجراء تعديل حكومي غرق سريعا في غياهب النسيان، فيما اشتعلت جبهة بعبدا – بيت الوسط من جديد. ولكن، أمام سقوط هذين الخيارين، قد يلجأ الحزب إلى تعزيز التواصل مع الأطراف الموسومة بالقوة ليؤمن لنفسه غطاء سياسيا يقيه على الأقل شظايا تطبيق قانون قيصر الأميركي.