كتب سعيد مالك في صحيفة “الجمهورية”:
لم يعُد جائزًا بعد «الطائف» أن يكون رئيس الجمهورية مُمثِّلاً لِطائفته أم مذهبه، وأن يُمارس السُلطة على هذا الأساس. إنما دوره إرتقى إلى موقع الحَكَمْ بين السُلطات، المُدافِع عن الدستور وعن حقوق المواطنين.
ولكي يلعب هذا الدور، مَنَحَ الدستور الرئيس صلاحية إعادة النظر في أي قانون يصدُر عن السُلطة التشريعية (المادة /57/ من الدستور) وذلك لِلَفْت إنتباه المجلس النيابي إلى تعارُض هذا القانون مع نصوص الدستور، ويُنبّهه الى ضرورة إعادة النظر فيه. وفي حال أصرّ المجلس النيابي على هذا القانون بالغالبية المُطلقة من مجموع أعضائه الذين يؤلّفونه، مَنَحَ الدستور رئيس الدولة صلاحية الطعن بهذا القانون أمام المجلس الدستوري (المادة /19/ من الدستور). لكن رئيس الجمهورية لا يُمكنه أن يمتنع عن إصدار القانون رغم عدم موافقته عليه، بحجّة أنّه غير دستوري، كَونه ليس في إستطاعته ان يَضرُب بعرض الحائط إرادة مُمثّلي الشعب ونوّابه.
هذا ما يُثبِت دوره كَحَكَمْ بين السُلطات.
إضافةً إلى ما تقدّم، ذَهَبَ دستور «الطائف»، وبعد تعديلات عام 1990، إلى إلغاء ثُنائية السُلطة التنفيذية، وحصرها بمجلس الوزراء. وبالتالي لم تَعُدْ الحكومة مسؤولة أمام رئيس الدولة، إنما فقط أمام السُلطة المُشترعة. ويكفي العودة إلى نص المادة /69/ من الدستور، والتي حدّدت حالات إعتبار الحكومة مستقيلة، وحَصَرَتْها بإستقالة رئيسها، وفقدانها أكثر من ثُلث عدد أعضائها، بوفاة رئيسها، وعند بدء ولاية رئيس الجمهورية، وبدء ولاية مجلس النواب، ونزع المجلس النيابي الثقة منها. وبالتالي، لم يعُد لرئيس الدولة الحق في إقالتها، كما كان الأمر عليه قبل «الطائف».
ولكي يتمكّن رئيس الجمهورية من مُمارسة دوره كَحَكَمْ بين السُلطات، وكَمُشرِف على عمل السُلطة التنفيذية، سيما وأنّه فَقَدَ حتى حق التصويت. مَنَحَ الدستور رئيس الدولة صلاحية طلب إعادة النظر في أي قرار يتّخذه مجلس الوزراء، خلال مهلة خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه إيّاه. حيث نصّت الفقرة الثانية من أحكام المادة /56/ من الدستور على ما حرفيّته:
«… وهو يُصدر المراسيم ويطلُب نشرها، وله حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أي قرار من القرارات التي يتّخذها المجلس خلال خمسة عشر يومًا مِنْ تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية…. كذا…..».
وتابعت المادة الدستورية:
«… وإذا أصرّ مجلس الوزراء على القرار المُتّخذ أو إنقضت المهلة دون إصدار المرسوم أو إعادته يُعتبر القرار أو المرسوم نافذًا حُكمًا ووَجَبَ نشره.» .
والمُلاحَظ، أنّه وبِمُقارنةٍ بسيطة بين ما نصّت عليه المادة /57/ من الدستور، وما نصّت عليه المادة /56/ من الدستور، نَرى أنّ الدستور قد جاء مُجْحِفًا في حّق رئيس الدولة.
فالمادة /57/ من الدستور نصّت على أنّ الغالبية الدستورية الواجب تأمينها ليستطيع المجلس النيابي التأكيد على القانون الصادر عنه، هي الغالبية المُطلقة من مجموع أعضاء المجلس الذين يؤلّفونه قانونًا (أي/65/ نائباً ويزيد).
أما المادة /56/ من الدستور، والتي أجازت لرئيس الدولة حق طلب إعادة النظر في أي قرار أم مرسوم تتّخذه السُلطة التنفيذية، نصّت انّ مجلس الوزراء في إستطاعته الإصرار على قراره بالغالبية العادية من الحضور (أي مع حضور/14/ وزيراً، الأمر بحاجة إلى 8 وزراء للإصرار على القرار، وكَسْر إرادة رئيس الدولة).
مما يفترض معه، تعديل نصّ الفقرة الثانية من أحكام المادة /56/ من الدستور، ومساواة النصّ مع ما نصّت عليه المادة /57/ منه، أي بِجَعل الغالبية، والتي يتوجّب على الحكومة تأمينها لتأكيد الإصرار على القرار أم المرسوم، الغالبية المُطلقة من مجموع الأعضاء الذين يُشكّلون الحكومة.
وبذلك، يُصبِح إصرار الحكومة على قرارها متوازنًا مع الغالبية المُطلقة المفروضة دستوريًا، عند إصرار المجلس النيابي على القانون الذي أصدره، وليس بالأكثرية العادية من الحضور. وذلك، ما يؤدّي إلى التعامل المتوازن بين رئيس الدولة، وكل من السُلطة التشريعية والتنفيذية على السّواء.
لكن ما حَصَلَ في الأمس القريب، يطرح أكثر من علامة إستفهام.
مجلس الوزراء يُقّر خطّة الكهرباء، وتجهيز معملَين للإنتاج، ويستثني ثالثاً. فيطلب رئيس الدولة إعادة النظر في القرار، فيعود مجلس الوزراء الى الإجتماع، ويُصدر توصية بإعادة إدخال «معمل سلعاتا» إلى جنة المعامل المُقرّرة.
إنْ كان من المُنْصِف إدخال معمل إنتاج ثالث أم لا.
إنْ كان من الأنسَب توزيع المعامل مناطقيّاً أم مذهبيّاً.
إنْ كان من الأجدى للخّطة أن تتبنّى بناء معمل ثالث.
فهذا كُلّه لن نُناقشه، لِعَدَمْ الإختصاص.
لكن ما يلفتنا، أنّه كيف بعد أن يصدر قرار عن مجلس الوزراء، تصدر توصية تُعدّل بهذا القرار ؟؟؟.
فطَلَبْ إعادة النظر، صلاحية دستورية محفوظة لرئيس الدولة، ولكن لهذا الطلب أصول وإجراءات ومَسار.
وإعادة الحكومة النظر ممكنة وجائزة، لكن حتى الرجوع عن القرار، أم تعديله، أم إلغاءه، له أصول وإجراءات ومسار.
فلا يُمكِن إستخدام الدستور ضمن تسويات سياسية.
ولا يُمكِن تعديل قرار بتوصية.
ولا يُمكِن العودة عن أي قرار، ما لم تظهر الحجّة.
مسار الحكومة لا يُبشِّر بالخير، ومُعالجتها للعَقَبات تعتريها الشوائب والهفوات.
فليس بهذا الأداء تكسب الحكومة الثقة.
وتسألون لماذا تردّدنا في مَنح الحكومة منذ البداية الثقة المُفرطة؟
لسبب أنّ «ألبرت آنشتاين» قال:
«إذا كنت تخشى الخيبة، تجنّب الثقة المُطلقة من البداية».