تتجه الانظار الى ما بعد السادس من حزيران لمعرفة التوجهات الحكومية التي ستتغير بفعل الحراك الشعبي الذي استعاد وهجه، بمعزل عن حجم التحركات التي سيشهدها وسط بيروت والقراءة في هوية القوى التي شاركت فيها والظروف التي رافقت الاستعدادات التي سبقتها وكيفية استثمارها في وقت لاحق للحفاظ على ديناميتها الشعبية وتغذيتها بما يؤدي الى ارضاء نسبة كبيرة من اللبنانيين وجدت نفسها نزلت تحت خط الفقر والعجز عن تأمين ابسط مقومات العيش الكريم.
ليس في ما سبق رهان على متغيرات كبيرة وملحوظة فسواء تطلّع اليها بعض اللبنانيين على انها من الانجازات، فإن البعض الآخر سيصنفها على انها مظهر من مظاهر الفشل نتيجة الإنقسام الحاد الذي احيته بعض المواقف. فقد سمحت الظروف الفاصلة بين تحرك 17 تشرين الاول 2019 واليوم، للسلطة بكل وجوهها، ان تحصن مواقعها وتعزز مناعتها تجاه اي تغيير دراماتيكي محتمل. وهي لن تتجاوب على ما يبدو مع مطالب شريحة واسعة من اللبنانيين تطالبها بابسط حقوقها في مواجهة مجموعة الازمات المتفاقمة النقدية والمالية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية.
يعترف احد مهندسي التحرك الشعبي عبر “المركزية” باننا نعرف حجم وقوة السلطة وقدراتها المادية والعسكرية والمخابراتية التي تعوضها الفشل في كل المجالات الأخرى وخصوصا التي تمس حياتنا اليومية بكل وجوهها. ويضيف: ان الإعتراف بهذا الواقع لا يعني الاستسلام للتركيبة الحالية فهي اوهن من اي تركيبة أخرى يمكنها ان تستأثر بالسلطة لولا اجنحتها المستعارة من خارج المؤسسات وقوى الأمر الواقع التي تمكنت من تعزيز سلطتها داخل الدولة ومؤسساتها ومن خارجها. وهي التي بنت “دويلتها” الامنية والمالية والتربوية خارج إطار المؤسسات الادارية والدستورية وربما الاقتصادية ايضا. فبنت اقتصادا موازيا لا يعترف بوجود نظام مالي او مصرفي او جمركي في الوقت الذي باتت فيه قادرة على التحكم بالكثير مما يجري من خلال المزج القائم بين الدولة و”اللادولة” والى التحكم بالمساحتين معا تدير واحدة منها من تحت الأرض وأخرى من فوقها من خلال تحكمها بالصراع بين مجموعة من المتنفعين المتحكمين ببعض المواقع.
ولذلك ليس من السهل توقع ما قد ياتي به السادس من حزيران من متغيرات ولكنه سيؤثر فعلا في إجراء عملية فرز اكثر دقة من قبل، بين من استجدى الهمم الشعبية للوصول الى المراكز، وبين من قرر ان يبقى الى جانبها ايا كان الثمن. ولذلك سيبقى من بيده السلطة في موقع اقوى من معارضيه بعدما ثبت انه قادر على التحكم بالكثير من التطورات نتيجة توسع رقعة الفقراء والعاطلين عن العمل الذين يمكن ارضاؤهم بما يعوض او يخفف من مأساتهم ولو لفترة وجيزة.
وبمعزل عما يمكن ان يتحقق فان النظر الى ردة الفعل الدبلوماسية واجب الوجوب في هذه المرحلة فالسلطة التي تستشعر الحصار العربي والخليجي تحديدا والغربي تسعى الى فتح قنوات التواصل مع الخارج استجداء لدعم مالي وسياسي مطلوب بسرعة لن يكون ذلك سهلا عليها. فالدبلوماسيون ممثلو الدول المانحة وتلك التي شكلت من اجل دعم لبنان، ما زالوا على مواقفهم ينادون بتلبية مطالب المنتفضين منذ 17 تشرين الاول الماضي. وهذه الجهات ستجدد طلبها غدا وبعد غد ليس لأنها شاركت في تحضير ما جرى او ساهمت فيه، ولكن استكمالا للمضي في تنفيذ قرار استراتيجي بعيد المدى يجري تطبيقه منذ ثلاث سنوات على الأقل طلبا من المسؤولين للعودة الى منطقة “النأي بالنفس” وتنفيذ الاصلاحات التي تعهدت بها الحكومات المتعاقبة قبل ان تمده باوكسيجين المواجهة بالحد الادنى المطلوب.
ولذلك، فان السعي الى تحسين صورة الحكومة امام وفد صندوق النقد الدولي والمجموعة المكلفة بتطبيق مقررات مؤتمر “سيدر واحد” ليس امرا سهلا فان مسلسل الفضائح يلاحقها امام مجموعة من المراقبين الدوليين وموفدي الامم المتحدة الذين باتوا على علم بادق التفاصيل التي لا يمتلكها بعض المسؤولين.
وعليه فان الحراك الدبلوماسي الذي سيعقب تحركات السادس من حزيران يجب ان يبقى على اجندة المتابعين. فالمحطات المقبلة ستشهد على إحياء شكل من اشكال الدعم الدولي والاقليمي للحراك الشعبي يعيق الكثير من المشاريع المطروحة امام اركان السلطة واحلامهم. فهم على ابواب جولة جديدة من الصراع الداخلي في العديد من الملفات الحيوية الكبرى في وقت لم يثبت بعد ان لديهم القوة الكافية لمواجهة معضلات الداخل والخارج معا.