كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
تصرّ قوى سياسية في صلب الموالاة على إعتماد سياسة النكران policy of denial حيال قانون قيصر. بعض تلك القوى هاجم وزيرة الدفاع لمجرّد أنها وزعت على الوزراء نص مترجما للقانون بغية الإطلاع والبناء على المندرجات التي قد يكون للبنان منها نصيب، وخصوصا أن العلاقة الاقتصادية والمالية مع النظام السوري ومؤسساته الرسمية متشابكة ومتقاطعة، كمثل الكهرباء والجمارك والتبادل الاقتصادي – التجاري زراعيا وصناعيا، الى جانب أن مصارف لبنانية عدة تعمل في سوريا وقد تكون لها نصيب من تطبيقات قانون قيصر.
في المقابل، تستسهل قوى سياسية معارضة مقاربة القانون، ولا تفوّت فرصة لتوظيفه في سياق الصراع الداخلي، مع ترويجها أن العقوبات مفصلة على قياس لبنانيين، وستطال، من بين من ستطال، قياديين في التيار الوطني الحر، فيما المرامي الأميركية من القانون في مكان آخر تماما، تستهدف النظام السوري أساسا، والمتعاونين معه في روسيا والصين وإيران والعراق، وحزب الله إستطرادا، وربما الدولة اللبنانية بمؤسساتها في حال لم تتخذ الإحتياطات اللازمة لتفادي مقصلة القانون ومندرجاته. وهذا الواقع يرتّب على الحكومة مقاربة شاملة سياسية وقضائية لإحتواء أي مفاعيل قد تقع على لبنان وتؤدي الى تطبيق عقوبات قاسية عليه، في وقت تبحث الحكومة عن كل نافذة ضوء متوافرة لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية والإجتماعية التي يرزح تحتها اللبنانيون.
في المعلومات المتوافرة في واشنطن، أن التأثير اللبناني لقانون قيصر سيطال كل من يتعاون ويتعامل ماليا مع النظام السوري أو من يشكل رئة له. لكن بعض هؤلاء المتعاونين من رجال أعمال إستدركوا باكرا هذا الواقع، مع علمهم أن القانون لا يرتب مفعولا رجعيا سابقا لتاريخ إقراره (كانون الأول 2019)، لذلك هم سارعوا الى التعاون أو توظيف مجموعات ضغط أو شخصيات تملك إتصالات واسعة في واشنطن، وبادروا الى إتخاذ الإجراءات اللازمة التي قد تؤدي الى تجنّبهم العقوبات. وأراد المشرعون الأميركيون عبر عدم لحظ مفعول رجعي، إعطاء نوع من فترة سماح الى الأفراد والكيانات والشركات والمؤسسات التي تعاونت مع النظام السوري وقدمت له مختلف طرق الدعم، سواء الاقتصادي أو السياسي أو العسكري، قبل تاريخ التوقيع عليه، مع الإشارة في الوقت عينه الى أن القانون يلحظ في مكان ما إستنسابية على مستوى المفعول الرجعي فيما لو إرتأت الإدارة حاجة الى ذلك.
الدفعة الأولى من الإجراءات الأميركية قبل 18 حزيران وتتوزع على أربع مراحل تنتهي في آب
وتشير مصادر معنية الى أن أكثر المتأثرين لبنانيا سيكون حزب الله الذي يقاتل في سوريا، فيما قياديوه ومقاتلوه والسياسيون المحسوبون عليه يزورون دوريا الأراضي السورية، وهؤلاء صاروا تحت المجهر منذ الأول من حزيران، لكن الأكيد أن حساباتهم المصرفية ستكون عرضة للتصفية.
وتعتبر المصادر أن النقطة الأبرز في القانون، والأبعد من العقوبات نفسها، تتمثّل في أنه عطّل سياسة الدعاة الى التوجّه شرقا صوب سوريا ومنها الى العراق وإيران ومن بعدها الصين، في إشارة الى الدعوة التي سبق أن وجهها الى الحكومة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله من أجل تطبيع العلاقة التجارية اللبنانية – السورية. وقد أدى هذا الواقع الذي أنتجه القانون بالحكومة الى إعادة تقييم الموقف، وخصوصا أن داعمي التوجّه شرقا خسروا ورقة أساسية، ولم يعد في مستطاعهم دفع الحكومة الى هذا النوع من التطبيع.
وكان تردد أن إحدى النتائج المبكرة لقانون قيصر تمثلت في وقف المساعي لزيارة رئيس الحكومة حسان دياب الى دمشق. لكن هذه المعطيات، التي دققت فيها جهات أميركية رسمية معنية بالشأن اللبناني، ليست حاسمة بعد أو مستندة الى معلومات قاطعة.
وتشير المصادر الى أن الدفعة الأولى من العقوبات المرتبطة بالقانون ستصدر حكما قبل 18 حزيران، لأن القانون الذي أعطى مهلة سماح 180 يوما، بين كانون الأول 2019 وحزيران 2020، يفرض على الإدارة أن تقدم أول تقرير الى الكونغرس في مهلة أقصاها 18 حزيران، على أن تتوزع العقوبات على 4 مراحل تنتهي في آب المقبل.