كتب طوني أبي نجم في صحيفة “نداء الوطن”:
عنوان المقالة لا يهدف إلى الإستفزاز على الإطلاق، بل لإنعاش الذاكرة، ليس أكثر.
يُمكن لـ”حزب الله” أن يُبرّر بحجج واهية، مشاركته في الحرب السورية، واجتياح المدن والبلدات السورية، تنفيذاً للأوامر الإيرانية بالدفاع عن نظام بشار الأسد.
لكن على “حزب الله” أن يُدرك أن لبنان ليس سوريا، وأن المعادلات اللبنانية تختلف جذرياً عن المعادلات السورية. ففي السياسة، التقت المصالح الإيرانية مع المصلحة الإسرائيلية بإبقاء النظام السوري، الذي لطالما أمّن ويؤمّن خدمات جليلة لإسرائيل، وأولاها عدم إطلاق رصاصة واحدة باتّجاه الجولان المحتل. هكذا بقي معبر، أو معابر “حزب الله” بين لبنان وسوريا، سالكة وآمنة بعلم الإسرائيليين، باعتراف مسؤولي “الحزب”. وفي الوقت نفسه، قاتل “الحزب” في المعارك السورية بعناصره المُحترفين، في مقابل مجموعات غير محترفة بالمعنى الفعلي للكلمة، وغير مدرّبة وغير متجانسة.
في لبنان وحتى اليوم، خاض “حزب الله” داخلياً 3 معارك فعلية: الأولى في أواخر الثمانينات ضدّ حركة “أمل” في الضاحية الجنوبية وفي إقليم التفّاح، ولم يتمكّن من الإنتصار بالرغم من سماح “جيش لبنان الجنوبي” بانتقال مقاتلي “الحزب” بكامل أسلحتهم وعتادهم من البقاع الغربي إلى إقليم التفاح.
المعركة الثانية كانت في 7 أيار ضد تيار “المستقبل” وأهل بيروت، والتي حسمها “حزب الله” في ساعات قليلة للعوامل المعروفة، وفي طليعتها أن تيار”المستقبل” لم يُشارك يوماً في الحرب ولا مقاتلين لديه.
أما المعركة الثالثة فكانت محاولة اجتياح الجبل، حيث اصطدم بأبناء طائفة الموحّدين الدروز على مختلف انتماءاتهم الحزبية، وخسر “الحزب” هذه المعركة، وطالب بوقف إطلاق النار بعد محاصرة عناصر الاشتراكي مجموعة عسكرية كبرى لـ”حزب الله” في منطقة تومات نيحا، كذلك لم يستطع أن يحتّل أي نقطة أو مركز، ولا أن يُحقّق أي خرق، لا بل تعرّض لخسائر ومفاجآت غير سارة، من الشويفات إلى تلّة 888 وغيرها.
بهذا المعنى العسكري المباشر، لم يصطدم “حزب الله” يوماً بـ”القوات اللبنانية”، مع العلم بأن “القوات” سلّمت سلاحها منذ العام 1991، وباتت تعمل كحزب سياسي صافٍ بالمعنى الكامل للكلمة، لكن الإرث العسكري يبقى حاضراً، كما الخبرات التي اكتسبها رجالها، وحتى شبابها وطلابها يُولدون “مقاتلين بالفطرة”، بفعل تشبّثهم بالتاريخ الماروني الذي يحفر في وجدانهم كما حفر أجدادهم في صخور وادي قنوبين. ولم ينسَ “حزب الله” أبداً ما ظهر في وثائق “ويكيليكس”، يوم طلب رئيس “القوات” الدكتور سمير جعجع من السفيرة الأميركية في لبنان في فترة 7 أيار ميشال سيسون، تزويده بالسلاح، وأن لديه أكثر من 10 آلاف مقاتل جاهزون للمواجهة، ولم ينفِ جعجع الموضوع حين سُئل عنه بل أجاب: “إذا هاجمنا “حزب الله” ماذا تريدوننا أن نفعل؟ أنراشقه بالورود”؟!
في الخلاصة، وكما يُفاخر “حزب الله” بإقامة نوع من توازن الرعب مع إسرائيل، فإنه يُدرك جيداً أن ثمة توازنات داخلية قائمة في مواجهة لا تقلّ رعباً، وأن لا قُدرة له على تجاوزها، وخصوصاً أن تاريخ لبنان حافل بالدروس… فهل يتّعظ “الحزب” قبل فوات الأوان بأن عين الرمانة والأشرفية والشوف وغيرها من المناطق ليست القصير؟!