في الدولة المنهارة بإرادة سياسييها وقدرتهم الفائقة على تجفيف منابعها المالية بتحويل ما فيها الى حساباتهم المصرفية، كثر هم الضحايا. ليس من ناجين في مركب البلاد الغارق، ولا يبدو ان محاولات الامساك بطرف حبل النجاة المتبقي بمساعدة صندوق نقد او بدعم مؤتمر دولي ستنجح. ما من مؤسسة الا وتنازع وما من قطاع الا ويئن ويصرخ.
واذا كان ثمة من لا يزال يحتفظ بقطرة أمل، فلأنه لم يعد يتكل الا على المشيئة الالهية ويسلم امره لله. انها حال المنظومة التربوية التي تجلدها الدولة بكرباج الهدر والفساد الذي افرغ جيوب الاهل ومنعهم من تسديد اقساط ابنائهم ووضع المدارس امام معضلة لا يبدو في الافق ان حلها متاح.
المدارس الكاثوليكية التي لا يختلف اثنان على دورها الرائد في رفع اسم لبنان في العالم نتيجة المستوى العلمي العالي الذي تقدمه لطلابها من دون تفرقة بين دين او طائفة، فيحققون بفعله نجاحات باهرة تميزهم حيثما واينما حلوا، تقف على شفير الهاوية، عاجزة عن معالجة المعضلة مثلثة الاضلع. الاهل عاجزون عن دفع الاقساط وادارات المدارس عاجزة عن تسديد رواتب الاساتذة والمعلمون يهددون بوقف التعليم عن بعد قبل الحصول على كامل حقوقهم، علما ان هؤلاء إما باتوا يتقاضون نصف راتب او لا يتقاضون البته. والاخطر ان هذه المدارس، تتجه، اذا لم تتدخل الدولة “المتفرجة” لمنع الانهيار الشامل عبر مد يد العون المادي، لتمكينها من الاستمرار في مهمتها السامية، الى تعليق الدروس العام المقبل في ضوء العجز عن استكمال المسيرة.
ليست المدارس الكاثوليكية في احسن حال، ولا خزائنها عائمة بالمال والارباح الطائلة كما يروّج الجهلة غير العالمين بالارقام والموازنات والرسالة التي تؤديها هذه المدارس، ان لناحية المستوى التربوي الذي تقدمه او لجهة ترسيخ سكان قرى الاطراف في ارضهم ومنع الهجرة نحو العاصمة او الخارج. والانكى ان هذه المدارس تُرجم في غالب الاحيان من اهل البيت، قبل الغرباء، ما يُسهم في تشويه صورتها المفترض ان تبقى لامعة خصوصا انها تشكل آخر الصروح العلمية التي ما زال يتغنى بها اللبنانيون.
صحيح ان بعض المدارس الكبرى تجني الارباح، لا سيما التي تتقاضى بدلات مالية مرتفعة نسبيا لقاء خدماتها التعليمية، لكن الصحيح ايضا ان هذه المدارس تسهم بموازناتها في سد عجز مدارس اخرى كثيرة في القرى والارياف لتمكينها من الاستمرار، ما يدحض تهم “السرقة” و”مص دماء” الاهل كما يُروج، علما ان بعضها لم يتمكن من تأمين 20 في المئة من موازنته لهذا العام بفعل الاوضاع الاقتصادية المتردية وفقدان الكثير من الاهل وظائفهم وتاليا مردودهم المادي.
بمراجعة بسيطة لبعض الارقام الواردة في الاحصاءات يتبين الاتي: