مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، يستعيد اللبنانيون صور السجناء الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون السورية، وقضية 628 مواطناً لبنانياً تم توثيق وجودهم في السجون السورية، لا يزال مصيرهم مجهولاً. وفي الأثناء، ينكر النظام في سوريا وجود أي لبناني في سجونه بعد آذار 2008، إذ أطلق حينها 100 سجين لبناني من مراكز اعتقال موزّعة في أنحاء البلاد.
وتشير المعلومات إلى قرائن عديدة عن وجود عدد من اللبنانيين في السجون، حيث يؤكد شهود عيان سوريون فروا من السجون أن من بين المعتقلين في سجون فروع المخابرات السورية لبنانيين لا يزالون أحياء. وقد كشف الشاب السوري عمر الشغري أنه شهد، خلال فترة اعتقاله في سجن فرع الأمن 215 بين عامي 2012 و2015، وجود معتقلين لبنانيين منذ أكثر من 25 سنة.
رئيس جمعية “المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية”، علي أبو دهن، يؤكد أن هناك احتمالاً كبيراً لوجود معتقلين لبنانيين أحياء في السجون السورية، لأن المصور العسكري السوري السابق الملقب بقيصر المنشق عن نظام الأسد عام 2014 بدأ مهمّته هذه من الثمانينيات. بالتالي، باتت السجون السورية موثقة وبات في الإمكان متابعة هذا الملف وكشف أثر جميع الذين اعتقلوا في تلك السجون.
ويلفت أبو دهن إلى أنه “يهّمنا تحريك القضية، ونستفيد من قانون قيصر، في ظلّ محاولات من أكثر من جهة لفرض العقوبات والتشديد على النظام، ومن الممكن الاتجاه نحو معاقبته”. ويضيف “هذا مطلبنا لأننا عجزنا عن ذلك كون دولتنا لم تأخذ أي خطوة في اتّجاه قضيتنا، ومعظم الذين توالوا على مواقع المسؤولية كانوا وما زالوا تحت الجناح السوري”.
ويستغرب أبو دهن عدم تحريك هذا الملف من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يمكنه التواصل مع بشار الأسد على الرغم من أن كثيرين من العسكريين قاتلوا إبان الحرب الأهلية تحت قيادته وحبسوا، وكثيرون منهم لا يزالون مفقودين ولم يطالب بإعادتهم أو حتى معرفة مصيرهم.
يرفض مدير مركز “أمم للأبحاث والتوثيق” لقمان سليم، مقاربة ملف المفقودين في سجون النظام السوري من زاوية اللبنانيين فحسب. ويدعو إلى “النظرة الشاملة إلى القضية تحت عنوان المفقودين في السجون السورية”. وتوثق الشبكة السورية لحقوق الإنسان أعداد المعتقلين في السجون السورية بـ129989 معتقلاً، فيما يشكل عدد المخفيين قسراً في السجون السورية قرابة 100 ألف منهم.
ويعتبر سليم أن “قانون قيصر فتح قضية المفقودين أمام أنظار المجتمع الدولي. وعلى هذا ألا يكتفي بمعرفة مصير المفقودين، إنما محاكمة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم اللاإنسانية التي ارتكبت في سجون الأسد”.
ويلفت سليم إلى أن ما تقوم به ألمانيا لناحية إجراء محاكمات بحق مدانين بعمليات تعذيب وقتل للسجناء في السجون السورية هو نموذج جيد، آملاً في أن تسهم تلك المحاكمات في كشف الذين قاموا بعمليات التعذيب والقتل ومصير المفقودين والمخفيين قسراً.
ويرى مدير البرامج لدى “المؤسسة الأميركية للسلام من أجل التكنولوجيا” والعضو في فريق “قيصر”، نزار زكا، أن القانون هو فرصة تاريخية للبنان والأمل الأخير لكشف مصير المفقودين اللبنانيين في السجون السورية. ويقول إنه “من الضروري أن يستفيد لبنان من دعم الكونغرس الأميركي لهذه القضية الوطنية”، معلناً أن من ضمن خطة عمله معرفة مصير 630 مخطوفاً لبنانياً في السجون السورية، “لأنه من غير المعقول أن تظل أمهات هؤلاء لأكثر من 40 سنة تجهل مصيرهم”.
ويؤكد زكا أن العقوبات ستشمل المتعاملين مع النظام السوري منذ توقيع الرئيس الأميركي على القانون في 20 ديسمبر (كانون الأول) 2019، وستشمل المسؤولين اللبنانيين الذين يقصرون في متابعة قضية المفقودين في السجون السورية، داعياً وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم إلى “القيام بواجبها ودفع الحكومة اللبنانية إلى تقديم شكوى رسمية إلى المنظمات الدولية، على اعتبار أنّ القانون يضع على لائحة العقوبات كلّ من له علاقة بقتل السجناء أو ارتكب أفعالاً جرمية بما في ذلك شتى أنواع التعذيب”.
ويلفت إلى أنّ “قانون قيصر وُضع لإقفال كل منافذ التعامل مع النظام السوري ومساعدته بشتى الطرق والوسائل التي لم تكن مذكورة في العقوبات الأميركية السابقة، بما في ذلك التعابير التي كانت تستخدم كحجج لتبرير التعامل والتواصل مع نظام يرتكب جرائم ضدّ الإنسانية”، مشدداً على أن عقوبات القانون ليست موجّهة ضد لبنان، إنما هي تطلب من لبنان التعاون لتفادي أي إجراءات ضد الدولة في وقت لاحق، وتحديداً في العلاقات المالية والمصرفية بين بيروت ودمشق، ووقف التهريب بشكل نهائي.
وفي مقاربة قانونية يجزم المحامي والناشط السياسي أمين بشير أن “قانون قيصر سيشكل ضغطاً مضاعفاً على النظام السوري ولا سيما في قضية المفقودين اللبنانيين في سجونه منذ الحرب اللبنانية وكل المفقودين السوريين أيضاً”، مشدداً على أن قانون قيصر برمزيته وقصة نشأته مع المنشق “سيزر” الذي وثق جرائم النظام بعدسته بقرابة 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب وتأكدت صحتها من جانب مكتب التحقيق الفيدرالي الأميركي، كانت المحفز الأساسي لاستصدار هذا القانون بعد صمت العالم أجمع عن جرائم هذا النظام.
أما في حال أراد النظام السوري إبطال أسباب هذا القانون، يقول بشير، “فعليه أن يُطلق جميع المفقودين من سجونه، وضمنهم اللبنانيون الذين يشهدون على بشاعة إجرام هذا النظام منذ الحرب اللبنانية”، معتبراً أن “هناك تقصيراً رسمياً كبيراً في المطالبة بهؤلاء المفقودين على الرغم من إقرار قانون المفقودين والمخفيين قسراً الرقم 105 في 13 تشرين الثاني 2018”.