لم يخرج المشهد الاحتجاجي يوم السبت الفائت عما كان متوقعا له من حيث إقدام الشارع المناهض للثورة ومطالبها على محاولة “استفزاز المتظاهرين”، لإطاحة التحرك الشعبي في مهده، من خلال اللعب على الوتر المذهبي الحساس. وفي وقت بدت هذه الخطوة المنتظرة لكن غير المحسوبة النتائج أول غيث فتنة طائفية أطلت برأسها في مشهد ثلاثي، ونجح الجميع في قطع دابرها بالمواقف التقليدية في الوقت المناسب، فإن ثمة معطى أكيدا لم يعد القيمون على الحكم ومتفرعاته يستطيعون تجاوزه: عادت الثورة إلى الشارع لترسل سهاما قوية إلى العهد، والمطالبة بحل الأزمة الاقتصادية الخانقة في أسرع وقت ممكن. على أن الأهم يكمن في أن هذا الهجوم على الرئيس عون لم يوفر بشظاياه حكومة الرئيس حسان دياب، ما من شأنه أن يضع القيمين عليها في موقف حرج لا يستبعد معه بعض المراقبين احتمال البحث الجدي في تشكيل فريق وزاري جديد يرتاح إليه حزب الله.
وفي السياق، لفتت مصادر سياسية عبر “المركزية” إلى أن إقدام البعض على إعادة ضخ الحياة في عروق مطلب تطبيق القرار 1559 الذي ينص بوضوح على نزع سلاح “الميليشيات”، وإن كان البعض يعتبر أن طرح هذا المطلب في هذا التوقيت بالذات لا يخدم ثورة قامت أولا على النقمة الشعبية على الأزمة الاقتصادية الخانقة، أظهر أمام حزب الله حقيقة مرة كان يحاول التغاضي عنها على مدى شهور: لم تستطع حكومة الرئيس حسان دياب، التي يصفها المجتمع الدولي بأنها حكومة حزب الله، أن توفر ما يمكن تسميته “الغطاء السني” للضاحية وترسانتها. بدليل أن أن المناطق والأحياء البيروتية ذات الأكثرية السنية اشتعلت غضبا مساء السبت ووجهت الانتقادات والصرخات الغاضبة إلى حزب الله وسلاحه.
وأشارت المصادر إلى أن حال النقمة هذه تعد دليلا واضحا إلى “انتهاء صلاحية الحكومة الحالية”، التي كان رئيسها قد عانى ليحظى بدعم دار الفتوى، التي لم تعبر بعد عن موقف صريح في هذا الشأن”، ما يعني أن الحزب قد يكون انتقل إلى “الخطة ب” القائمة على تأليف حكومة جديدة لضمان قدرته على التحكم بقرارها من وراء الكواليس السياسية، مذكرة بأن نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي أطلق في الفترة الأخيرة مواقف مفاجئة من حيث انتقاد الحكومة والتلميح إلى أن الوقت قد حان لاستبدالها بأخرى، مع العلم أن الوقت غير مناسب للغوص في مستنقع التأليف الحكومي راهنا.
وفيما دأب الفرزلي على نفي التحليلات التي ترجح أن تكون تصريحاته الأخيرة مؤشرا إلى سعي الضاحية إلى اطاحة فريق الرئيس دياب (الذي يتهمه حلفاء الحزب بأنه يجاري رئيس التيار الوطني الحر في كل شيء، على حد قول زعيم المردة سليمان فرنجية في إطلالته التلفزيونية الأخيرة الخميس الفائت، دعت المصادر إلى مراقبة الحركة المكوكية التي كان نجماها في اليومين الأخيرين، الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، إضافة إلى زعيم “المستقبل” سعد الحريري.
وفي هذا الاطار، وفي معرض تحليل المشهد وما يحمله من دلالات ورسائل سياسية، رجحت المصادر أن تكون هذه الحركة انطلقت بمبادرة من مبتكر المخارج المعهود الرئيس بري، في محاولة لإقناع الحريري بالعودة إلى السراي. وإذ رجحت أن تكون وراء هذه الاتصالات محاولة من الحزب لتشكيل حكومة يستطيع التحكم بقرارها السياسي، استبعدت المصادر أن يجاري الحريري بري وجنبلاط في هذا المسعى، ذلك أنه أكد مرارا أنه لن يعود إلى السراي إلا بشروطه وعلى رأسها تأليف حكومة من الاختصاصيين المستقلين تماما عن الطبقة السياسية، وأن لا مجال لإعادة المياه إلى مجاريها مع الوزير السابق جبران باسيل.