كتب معروف الداعوق في صحيفة “اللواء”:
لا ينفصل الأداء الفاشل لوزير الاتصالات طلال حواط في إدارة وزارته وقطاع الاتصالات بمجمله عن الممارسة المتردية لحكومة الرئيس حسان دياب بمجملها منذ توليها المسؤولية قبل أكثر من يوم وحتى الآن، فهو من «طينتها وعجينتها» كما يقال في المثل العامي ويعكس جانباً من ادائها في وزارته، بالرغم من محاولته التملص من الجانب السياسي وإعطاء ممارسته طابعاً تقنياً للتهرب من فشله وتعثره المحبط في ممارسة المهمات المنوطة به، حتى بشهادة حلفائه من الخط السياسي نفسه.
فمنذ تسلمه لمسؤولياته الوزارية، ظهرت عليه بوادر الوهن المبكر وهزالة التصرف في إدارة شؤون وزارته، بعدما اوكل مهمات عديدة لرموز وظيفية «عونية» للقيام بها واطلق يدها للاقتصاص وتبديل مواقع وصرف العشرات من الموظفين والعاملين من خصوم «التيار العوني» والحكومة عموماً وتحديداً منهم التابعين لـ «تيار المستقبل» في إطار مسلسل التنكيل السياسي المتبع بعد سقوط مفاعيل التفاهم السياسي واستقالة الحكومة السابقة وخروج الرئيس سعد الحريري من السلطة.
وبعد طول تردّد وموجة الانتقادات الواسعة لتصرفات الوزير حواط الهزيلة في مقاربة مصير قطاع الهاتف الخليوي بعدما انتهت مُـدّة عقدي التشغيل للشركتين المعنيّتين والتضارب في مصير هذا القطاع الحيوي والمهم والآلية التي ستتبع في تسلم الدولة لهذا القطاع لكي تتولى تشغيله ريثما تعمد وزارة الاتصالات إلى اجراء مناقصة دولية تتولى الشركات الخاصة بموجبها معاودة تشغيله، انفضح المستور وكل ما يحاك من تحت الطاولة للتقاسم السياسي المفضوح لتشغيل هذا القطاع من قبل الدولة بعدما تداولت وسائل الإعلام على نطاق واسع حصول تفاهم ضمني بين رئيسي مجلس النواب نبيه برّي ورئيس «التيار العوني» جبران باسل خلال اللقاء الذي جمعهما مؤخراً في عين التينة تقاسم النفوذ في المواقع الوظيفية، رغم النفي الذي أصدره النائب علي حسن خليل عن حدوث مثل هذا التفاهم، ما لبث الوزير حواط ان اعترف علناً في مؤتمره الصحفي بتعيين مجلس إدارة لكل من الشركتين المذكورتين لتشغيل القطاع من قبل الدولة، الأمر الذي عزّز صحة الاخبار المتداولة عن المحاصصة وتقاسم المراكز الوظيفية، بعدما كان التفاهم المبدئي بين الطرفين على ان يتألف مجلس الإدارة للشركتين معاً من سبعة اعضاء موزعين كالآتي: اثنان للموارنة، ومثلهم للسنَّة والشيعة واحد للدروز، الا ان هذه التوزيعة لم ترق لأطراف كثر ولا سيما الحلفاء في الحكومة الحالية، كتيار المردة، الطاشناق، والروم الارثوذكس والكاثوليك الذين أبدوا استياءهم من استبعادهم عن هذه التركيبة التحاصصية واصروا على تمثيلهم والا رفعوا صوتهم عالياً ضدها وعارضوها بقوة، ما أدى في النهاية حسب الاخبار المسربة إلى زيادة عدد أعضاء مجلسي الإدارة في كلتا الشركتين إلى عشرة أعضاء بدلاً من سبعة، بالإضافة إلى عضو ارمني وآخرين يمثلان الارثوذكس والكاثوليك.
جائحة كورونا ضاعفت من العوامل السلبية لجهة امتناع المستثمرين عن خوض غمار المناقصة
ولكن بالرغم من تركيبة المحاصصة السياسية والطائفية هذه لمجلسي الإدارة، جرى عتاب شديد اللهجة من قبل «حزب الله» والنائب فيصل كرامي وأحد الموظفين الكبار ووجهت انتقادات لاذعة مباشرة وغير مباشرة وعبر آخرين من خلال وسائل الإعلام مبدية استياءها الشديد لهذه التوزيعات للمراكز واسلوب تعاطيه مع ملف الخليوي عموماً.
ولكن ما كشفه وزير الاتصالات بنفسه عن حاجاته لمدة ثلاثة أشهر لاعداد دفاتر الشروط اللازمة لطرح مناقصة الخليوي، وهو ما ردّ عليه وزير الاتصالات السابق محمّد شقير بالقول ان دفاتر الشروط التي يحكي عنها حواط منجزة أيام وجوده في الوزارة، يكشف النوايا المبيتة عن خطة متفاهم عليها ضمنياً بين الوزير والأطراف السياسيين المعنيين بتركيب مجلس الإدارة لتولي تشغيل قطاع الخليوي من قبلهم لأطول مُـدّة ممكنة، ما يعني عمليا رسم مسار مظلم وسوداوي لما يمكن ان يؤول إليه هذا القطاع المهم لحياة النّاس عموماً في عيشهم اليومي والاستئثار بموارده المالية الكبيرة التي تغذي خزينة الدولة بجزء من مداخيلها لصالحهم، استناداً إلى التجارب الفضائحية الماثلة لكل اللبنانيين في قطاع الطاقة والكهرباء والتي لا تشجع على الإطلاق في اتباع هذه الآلية المكشوفة لإهدار واستنزاف مقدرات هذا القطاع لغايات سياسية محضة.
والأخطر من ذلك ان الاسلوب المتبع في التقاسم السياسي للمراكز الوظيفية على هذا النحو، لن تكون نتائجه محصورة بإمكانية تردي الآلية التشغيلية لهذا القطاع الحيوي ومدى انعكاساتها المضرّة على الخدمات الضرورية التي يقدمها للمواطنين والحركة الاقتصادية والتجارية عموماً، ولا بالاحتمالات المرتقبة بتراجع المداخيل المالية فقط، بل ستكون له تداعيات سلبية أبعد من ذلك، وستطال سمعة لبنان كدولة لم تتعظ من سلوكيات الهيمنة السياسية والطائفية وتعميم الفساد وتبعث بأكثر من رسالة وإشارات، داخلياً وخارجياً على حدٍ سواء.
الإشارة الأولى، موجهة إلى الداخل اللبناني ومفادها بعدم وجود أي توجه جدّي لدى الطاقم السياسي الحاكم في تغيير أسلوب ونمط تعاطيه في إدارة مؤسسات الدولة وامعانه في التسلط والهيمنة على ما تبقى من موارد ومقدرات في مؤسسات وادارات الدولة خلافاً لكل الشعارات الفارغة والوعود الكاذبة التي يطلقها هذا الطاقم صبحاً ومساءً.
أما الإشارة الثانية فموجهة إلى الدول الصديقة والجهات المالية الدولية التي يسعى إليها لبنان لمدّ يد المساعدة المالية إليه كي يستطيع الخروج من أزمة الاقتصادية التي تسبب بحدوثها الطاقم المذكور جرّاء ممارساته السيئة وسياساته المدمرة لمصالح الشعب اللبناني، لا سيما وأن هذه الخطوة الفضائحية تأتي في حمأة المفاوضات الصعبة التي تخوضها الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي لطلب مساعدته في حلحلة الأزمة المعقدة التي يواجهها لبنان حالياً، ما يعطي مثالاً حيّاً بعدم جدية هذا الطاقم السلطوي بالقيام بأي إصلاحات جدّية في المؤسسات والإدارات المطلوب شمولها بهذه العملية كشرط أساس لتقديم المساعدات اللازمة ويعني كذلك وضع عقبات وعراقيل مقصودة لإجهاض المفاوضات الجارية، مع ما يترتب عن ذلك من إطالة أمد الأزمة المتواصلة وزيادة معاناة اللبنانيين معيشياً واجتماعياً أكثر مما يحصل حالياً.
أما الإشارة السلبية الثالثة، فهي موجهة كذلك للمستثمرين من رجال أعمال وشركات دولية تهتم بالاستثمار في قطاع الخليوي عادة بالعالم. فكل ما قاله وزير الاتصالات وما قام به منذ تسلمه الوزارة وحتى ما أعلنه بالأمس القريب، قد أحدث نقزة فعلية لهؤلاء وعدم اكتراث بخوض غمار أي مناقصة تطرحها الدولة اللبنانية بعد المدة الوهمية التي حددها الوزير، لأن ما جرى عملياً أدى إلى تكريس سياسة الفساد وليس مكافحتها، الأمر الذي يؤدي عملياً إلى نفور وانكفاء هذه الشركات عن الاهتمام بالاستثمار بهذا القطاع حتى ولو وفىّ الوزير بوعده، وهذا أمر مشكوك فيه في ضوء ما يحصل، في حين التبدلات المالية والاقتصادية والمتغيرات التي تسببت فيها جائحة كورونا على مستوى العالم كلّه من دون استثناء، شكلت عاملاً سلبياً اضافياً لتردد وإحجام المستثمرين الدوليين بالمشاركة في خوض غمار المناقصة المحكي عنها، ما يعني حكماً ان وضع اليد والتقاسم السياسي والمالي المؤقت لهذا القطاع سيطول أكثر مما هو متوقع واستنزافه للمصالح السياسية سيضاف إلى مسلسل الاستنزاف المالي لباقي القطاعات الحكومية الأخرى في الكهرباء والفيول المغشوش وغيرها أيضاً.