كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء الكويتية:
التوترات التي حصلت نهار السبت الماضي في بيروت وعدد من المناطق اللبنانية كشفت عن هشاشة الأوضاع في لبنان، وأكدت أن عمليات الشحن السياسي لأحد المكونات يقابله استنفار عند المجموعات الأخرى.
واستحضار لغة الانقسام كاد يهدد الوحدة الوطنية بشرخ كبير كما اشار بيان قيادة الجيش، التي تتجنب عادة التحدث بمثل هذا الوضوح في توصيف الأحداث.
ترى أوساط سياسية على صلة بما يجري: أن الوضع اللبناني مخيف، والبلاد تعيش أياما صعبة للغاية، وهناك مجموعة من المشاريع تتضارب على الساحة، ترافقها عمليات تهدف الى تصفية الحسابات بين جهات دولية وإقليمية، ورغبة عند أطراف لبنانية في تغيير خارطة توزع القوى الحزبية والطائفية على الساحة، أو تغيير شكل النظام القائم برمته، وبالتالي الهروب من استحقاقات دولية داهمة، منها قانون قيصر، وقرب صدور الحكم الدولي بقضية استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وكذلك استحقاق الانتخابات الأميركية الخريف القادم.
الصعوبات التي يواجهها لبنان جراء الأزمة المالية الخانقة، والمفاوضات المعقدة جدا التي يخوضها الفريق اللبناني مع صندوق النقد الدولي، وتجدد الانتفاضة الشعبية، هذه الصعوبات كشفت عن الفجوات الواسعة عند الفريق الحاكم، وأحرجت حزب الله كثيرا.
وقد عبرت الأوساط السياسية ذاتها عن خشيتها من ذهاب الحزب الى خيارات تفجيرية قاسية تشبه ما حصل في صيف العام 2006 عندما شعر الحزب بحصار خانق يطوق أعناقه في فترة ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج السوريين من لبنان، والخيارات المتاحة في هذا المجال متعددة، منها توترات أمنية في الجنوب، أو بافتعال أحداث في مناطق لبنانية أخرى، لها طابع حزبي، أو ربما طائفي أو مذهبي.
لكن الفارق كبير بين الوضع في العام 2006، حيث كان هناك تعاطف عربي ودولي مع لبنان، أما اليوم فلبنان يعاني من عزلة خانقة، ومن حصار، وربما رغبة بعض القوى العربية والدولية في الانتقام.
ويعرف المخضرمون من القادة السياسيين أن التراشق الكلامي والاتهامات التخوينية بين الأحزاب المختلفة، موصولة الى بعض الأحداث التي حصلت، لا تجري عادة من دون توجيه، وهي قد تقود الى حروب ونزاعات ربما تخرج عن أي سيطرة، لاسيما في ظل الاشتباك الأمني والسياسي في الإقليم عامة، والطروحات التي تبنت مشاريع تغييرية للنظام اللبناني تبعث على القلق في هذا الوقت المأزوم بالذات.
هناك مشروع لافتعال مشاكل في منطقة الجبل الحساسة، والجبل الذي عرف استقرارا واقعيا بفضل المصالحات التي جرت مهيأ لأزمات من النوع الثقيل إذا ما خرج من غرفة العناية الفائقة، خصوصا أن الحادثة الفردية التي حصلت بين بلدتي بريح والفوارة وقعت في المكان نفسه الذي انطلقت منه شرارة الفتنة في سبعينات القرن الماضي، وهذا ما ينطبق على منطقة التوتر الخصبة في ضواحي بيروت على محور منطقة الشياح الإسلامية من جهة ومنطقة عين الرمانة المسيحية من جهة ثانية، والتوتر السني – الشيعي حصل أيضا في الأحياء والمدن نفسها التي شهدت سابقا فتنة متنقلة بين الفريقين.
كل القيادات السياسية والدينية من مختلف المشارب استنكرت ما جرى، ودعت الى وأد الفتنة، ونجحت في تهدئة الشحن، لكن عوامل التفجير مازالت قائمة، خصوصا أن عدة التحريض مكشوفة بكل تفاصيلها، كما أن بعض أصحاب الشعارات التي طرحت يعرفون أنها شعارات لا يمكن قبولها، ومنها شعار «السلاح مقابل الاستقرار» او شعار «سلاحنا كرامتنا» بحيث فسرتها المكونات اللبنانية الأخرى على أنها تحد، وتوحي كأن أغلبية اللبنانيين الذين لا يملكون السلاح ليس لديهم ما يحمي كرامتهم، وهذا ما لا يرضون به مهما كان الاختلال في موازين القوى واسعا.