لا يمكن لحكومة أتت الى السلطة عقب اندلاع ثورة شعبية اجتماعية معيشية من الاوسع والاكبر في تاريخ الوطن، واعدة بالاصلاح والتغيير وباعتناق مطالب الشعب المنتفض، أن تكون على هذا القدر من التخبط والفشل والانكار. فبحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، كمّ الاخطاء – لا بل الخطايا – التي ارتكبتها حكومة “مواجهة التحديات”، لا يقبله عاقل خاصة وأن مَن يقترفها هو مَن ادّعى التمرد على كل النهج الحكومي السابق، فتُراه يغرق في ممارسات المحاصصة والفساد وتقاسم الجبنة، “وعلى المفضوح”. وجريمة هذه السلطة مضاعفة في رأيها، لأنها تأخذ البلاد التي تعهّدت بانقاذها، الى الهلاك، بدم بارد، وعلى وقع أناشيد “الانجازات” والانتصار!
آخر الاخفاقات، ما انتهت اليه مساعي توحيد الارقام بين اعضاء الوفد اللبناني الذي يخوض اليوم مفاوضات “مصيرية” مع صندوق النقد الدولي. فبعد ان رأس رئيس الجمهورية ميشال عون اجتماعا للغاية الاسبوع الماضي في بعبدا، موصيا كلا من وزارة المال والمصرف المركزي وجمعية المصارف، بتوحيد ارقامها بحلول الاثنين (أمس) لان التضارب في ما بينها بات عاملا مزعجا لصندوق النقد، عاد المجتمعون الى القصر امس. ولئلا يعلنوا انهم لم ينجحوا في الاتفاق على ورقة عمل موحدة، كانت التخريجة الآتية: “توافق المجتمعون أن تكون الأرقام الواردة في خطة الحكومة منطلقا واضحا لاستكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”. عبارة “منطلقا” الفضفاضة، والتي تدل الى ان احتمال التعديل في الورقة مجددا وارد، معطوفة الى تحفّظ حاكم “المركزي” على تبني ارقام الحكومة وتحذيره من انها ستقود البلاد الى الانهيار الحتمي، يؤكدان ان الوضع لم يُرتّب بعد في صفوف الوفد اللبناني، ما سيعقّد بطبيعة الحال، المفاوضات مع الصندوق.
هذا ماليا ونقديا. أما على صعيد الاصلاحات المطلوبة بقوة، من اللبنانيين قبل المجتمع الدولي والمانحين، فلم تخط الحكومة على طريقها، خطوة واحدة. الخطة الكهربائية على حالها. اما التعيينات، ففضيحة الفضائح، تضيف المصادر، المنطق ذاته معتمد وسيكرّس تقاسم المغانم والمراكز بين القوى السياسية الحكومية، والذي بدأ في مجلس ادارة شركتي الخلوي، في الساعات المقبلة من جديد، مع توجّه مجلس الوزراء الى انجاز سلة تعيينات ادارية وربما مالية في جلسته غدا، مديرا ظهره لآلية التعيينات ولمعيار الكفاءة والاهلية.
اما “الكرزة” على رأس قالَب الحلوى الرسمي هذا، الذي سيُقدّم الى الداخل والخارج، فهي التشكيلات القضائية. فبعد ان وضعها مجلس القضاء الاعلى منذ اشهر، وفق المعايير التقنية المهنية الموضوعية المطلوبة، رفع في وجهها الحرم “السياسي” لانها لم تعجب اهل الحكم الساعين الى تدجين القضاء. فرميت في دربها عراقيل كثيرة، قبل ان تبلغ اخيرا، محطة قصر بعبدا امس. فما كان من رئيس الجمهورية الا ان رفضها وقد ردّ مرسومها اليوم مع الاسباب الموجبة.
بعد هذه “الخبصات” كلها، على اي مدماك يمكن ان يتكئ المجتمع الدولي ليبني صرح مساعداته المفترضة للبنان؟ والى ماذا تحديدا، يجب ان ينظر اللبناني في هذا المشهد المظلم، لئلا ينزل الى الشارع ويطالب برحيل الحكومة؟ ربما عليه ان يقرأ من جديد لائحة الانجازات التي بلغت نسبتها 97%! تختم المصادر.