لم تعُد «الارتجاجاتُ» التي تصيب السلطةَ في لبنان تفاجئ الداخلَ ولا الخارجَ في ضوء تجربة الـ120 يوماً من عمرِ حكومة الرئيس حسّان دياب التي بدت وكأنها «تُنافِس» نفسَها في مدى القدرةِ على تقديم أداءٍ مُرْتَبِكٍ ومتخبّطٍ في لحظةٍ شبه وجوديةٍ تمرّ بها البلادُ العالقةُ بين ناريْ الأزمة المالية التي تُنْذِرُ بحرْق الأخضر واليابس في الواقع الاقتصادي – المعيشي والصراع الكبير على رقعة شطرنج الشرق الأوسط الذي اقتيدت إليه بيروت بقوة الأمر الواقع.
فلم يكد لبنان أن يلملم ذيول أحداث يوم السبت التي عكست أن البلاد صارت قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الكبير بعدما بات الوضع الداخلي «مفخّخاً» بأكثر من «عبوة ناسفة»، سياسية – طائفية – مذهبية – مالية – اجتماعية، حتى أطلّت السلطةُ مثقلةً بـ«وعْكة» جديدةٍ على خط العلاقات بين الرئاستين الأولى (الرئيس ميشال عون) والثالثة (دياب) كما بين مكوّنات الائتلاف الحاكم، بما يشي بضعضعةِ الحكومة والمزيد من «تلطيخ» صورتها أمام الخارج وصندوق النقد الدولي اللذين يضعانها «قيْد الاختبار» في سياق تقويم أدائها ومدى جديتها في التزام دفتر الشروط الإصلاحي الذي لا مفرّ منه للحصول على الدعم المطلوب للإفلات من الأزمة المالية غير المسبوقة.
وفي هذا الإطار برزت الوقائع الآتية:
* عدم توقيع عون مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية مورداً سلسلة ملاحظات حولها ضمّنها في كتابٍ وجهه المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير إلى دياب بواسطة الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء «مع تمنٍّ بإبلاغها من الوزراء المعنيين على سبيل الاطلاع والاعتبار، ومن دون أن تؤسَّس على هذا الكتاب أي سابقة دستورية بمعرض امتناع فخامة الرئيس عن توقيع أي مرسومٍ عادي يَخضع إصدارُه بتوقيعه إلى تقديره المطلق عملاً بأحكام الدستور»، لافتاً الى أن «اعادة النظر في المناقلات أمر متاح في كل حين ومناسبة ومتروك لتقدير مجلس القضاء الأعلى».
وفي حين اعتُبر رفْض عون غير المفاجئ لتوقيع المرسوم وذلك على قاعدة الملاحظات المعروفة عليه التي كانت عبّرت عنها وزير العدل ماري كلود نجم ومحسوبين على فريق رئيس الجمهورية رأوا أنه لا يترجم وحدة المعايير ولا يساوي بين القضاة وقدّم بعضهم على حساب آخَرين، مقدّمةً لمواجهة مباشرة بين الرئاسة الأولى ومجلس القضاء الأعلى، فإنّ هذا التطوّر سرعان ما حرّك «جبهة الصلاحيات» بين رئاستيْ الجمهورية والوزراء بعد المناخ الذي ساد حيال دستورية «ردّ» عون المرسوم وإحالته على رئاسة الحكومة مع الملاحظات عليه باعتبار أن هذا مرسوم عادي وليس صادراً عن مجلس الوزراء مع تلميح إلى أن خطوة رئيس الجمهورية هي امتداد لمحاولات إرساء صلاحيات جديدة بالممارسة.
وبدا واضحاً أن عون تَدارَك هذا الأمر، بعدما وزّع المكتب الإعلامي للقصر خبراً أوّل ورد فيه أن رئيس الجمهورية «ردّ مشروع مرسوم التشكيلات والمناقلات القضائية» قبل أن يورد في خبر ثانٍ «مصحح» أن الرئيس «لم يوقّع»، في ما اعتُبر مؤشراً إلى رغبةٍ في سحب فتيل اشتباكٍ مع رئاسة الحكومة كانت إشاراته لاحت مع الانتقادات اللاذعة التي وجّهها مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي للأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية آخذاً عليه «إقدامه على خطوتين بخفّة لم نعهدها فيه. تغريدة في شأن مسار مرسوم عادي في سياق احتفالية توقيع في رئاسة الحكومة، وتولي رئاسة مجلس الخدمة المدنية بالوكالة من دون حلف اليمين أمام رئيس الجمهورية».
وفي حين لم تتوانَ أوساطٌ سياسية عن اعتبار أن عدم توقيع مرسوم التشكيلات سيعطي ورقة قوية لخصوم العهد والحكومة الذين يضعون «تطيير» هذه التشكيلات في إطار خلافات على الحصص وخصوصاً رفْض فريق عون تعيين النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون مستشارة في محكمة التمييز، ناهيك عن الاستياء من استدعائها من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات على خلفية 4 شكاوى بحقها إحداها تتعلق بـ«الإساءة إلى مجلس القضاء الأعلى»، فإن هذه الأوساط اعتبرت أن وقْع ما أصاب هذا الملف لن يكون إيجابياً أبداً لدى المجتمع الدولي وصندوق النقد اللذين يضعان استقلالية القضاء في مقدمة الإصلاحات البنيوية المطلوبة لإطلاق قطار الإنقاذ المالي.
* المعلومات عن تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء من الخميس إلى اليوم لزوم بتّ أربع تعيينات مرجأة أحدها لمركز مدير عام الاقتصاد الذي رشّحت له حركة «أمل» محمد ابو حيدر والذي يقتضي إنجاز تعيينه قبل الغد أي قبل بلوغه عمر الأربعين وهي السنّ الأقصى للتعيين في الادارة من خارج الملاك.
وفيما تحدّث بعض المصادر عن أن التعيينات قد تشمل أيضاً النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان، مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان، رئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، رئيس وأعضاء هيئة الأسواق المالية، لم يُعرف إذا كان اهتزاز العلاقة بين عون ودياب سيترك تداعياتٍ على مسار الجلسة وسلة التعيينات بعدما كان رئيس الحكومة ربط بت التعيينات المالية بإمرار ندى يقظان لرئاسة لمجلس الخدمة المدنية.
على أن أوساطاً واسعة الإطلاع رأت أن مسار التعيينات، وإخضاعه بلا قفازات لمنطق المحاصصة مع قفز مجلس الوزراء فوق قانون آلية التعيينات الذي أقره البرلمان أخيراً (قبل نشْره في الجريدة الرسمية وسط اعتراض عون عليه) يشكل رسالة بالغة السلبية للمجتمع الدولي، ناهيك عن كونه دقّ إسفيناً جديداً بين مكونات الحكومة وشكّل وقوداً إضافياً لخصومها كما للشارع المستنفر بوجهها وهو ما عبّر عنه موقفان.
الأوّل تأكيد رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في تغريدة له مقاطعة وزيريْه جلسة اليوم، معلناً «لأن هذه التعيينات صورة وقحة لمحاصصة المصالح الطائفية والمذهبية والشخصية لن نشارك في جلسة الغد (اليوم) علماً انه عُرض علينا أن نكون جزءاً منها».
والثاني لزعيم «تيار المستقبل» الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري الذي غرّد بعد عدم توقيع عون مرسوم التشكيلات القضائية: «من التراجع عن قرار مجلس الوزراء بشأن سلعاتا الى ردّ التشكيلات القضائية بعدما وقّع عليها رئيس الحكومة، الى الحملة المريبة على الأمين العام لمجلس الوزراء ومحاولة الهيْمنة على مجلس الخدمة المدنية الى اعتبار التعيينات ملكاً حصرياً لجهة حزبية واحدة والى اتخاذ الرئاسة الاولى متراساً للدفاع عن مطالب حزب العهد، مسار واحد من السياسات العشوائية التي تقع تحت سقف خرق الدستور وتجاوز الصلاحيات (…)»، مشدّداً على أن «العهد القوي ينافس الرئيس القوي بسرعة الفشل والتخبط والكيدية وخرق الدستور واثارة العصبيات والجوع المزمن للإمساك بالتعيينات والمواقع الادارية والمالية والاقتصادية».
وجاء موقف الحريري أيضاً بعيد مشاركته في اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الذي انعقد برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان والذي حضرت فيه بقوة أحداث السبت وما تخللها من إساءات وشتْم من مناصرين لـ«حزب الله» و«أمل» لرموز دينية وما أعقبها من ردات فعل غاضبة في الشارع.
وأكد الحريري «أتيت إلى المجلس كي أؤكد على وحدة المسلمين، وأن أي انزلاق إلى مكان آخر يؤدي إلى تفتت لبنان، ولن نسمح بذلك»، مضيفاً: «علينا أن ندرك أن هناك مندسّين يريدون سفك الدماء في البلد. من هنا، علينا أن نتحلى بالصبر. ولذلك، سمعنا بعد المشكلة التي حصلت مواقف الاستنكار والدعوات لوقف ما حصل من كل الأحزاب والأطراف السياسية. الموضوع كبير فعلاً، لكن علينا ألا نعطيه أكبر من حجمه. على القيادات السياسية أن تدرك أن هناك حساسيات أساسية لدى الطوائف والمذاهب، وأنا أرى أنهم أثبتوا إدراكهم هذا من خلال بياناتهم ومواقفهم».
بدوره، أعلن المجلس الشرعي الأعلى في البيان الذي أعقب الاجتماع «أن هناك من استغل التظاهر لإطلاق شعارات تسيء الى أم المؤمنين السيدة عائشة، رضي الله عنها، لإشعال نار الفتنة المذهبية التي لن يسمح المسلمون في لبنان بأن تحصل مهما كلف الأمر»، وقال: «أما من تعرض بالإساءة للسيدة عائشة فيجب أن يُحاسب».
وإذ حذّر «من أن مشاعر الكراهية والتطرف والإلغائية التي لا تبني وطناً» طالب «الحكومة اللبنانية بفرض سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية بما في ذلك توقيف التهريب على الحدود اللبنانية وضبط سعر صرف الدولار ومعالجة ارتفاع الأسعار العشوائية وهذا من أدنى واجباتها، وإلا فالشعب لن يرحم أحداً من المسؤولين».