كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
يحبس المسؤولون في لبنان الأنفاس لما سيتمخض عن الاجتماعات مع صندوق النقد الدولي والتقرير الذي سيرفعه لإعطاء القرار في تشرين المقبل باعتباره الشريان الخارجي الوحيد المفتوح مع لبنان الذي من الممكن أن يضخ اليه الأموال ومساعدته للخروج من أزمته.
لا شك أن عملية التفاوض معقدة وشائكة وأن وضع الفريق اللبناني في ظل تبعثر ارقامه كمن هو في حقل الغام فأي دعسة ناقصة يقوم بها يعني على الدنيا السلام. لذلك تجهد الحكومة ومعها رئيس الجمهورية لتجاوز هذا المطب الذي على ما يبدو بدأ يستفز المفاوض الدولي حيث يقال أن حاكم مصرف لبنان الذي التقى الرئيس ميشال عون أواخر الأسبوع الفائت اقتنع بأرقام الحكومة لناحية الخسائر وهذا من شأنه أن يسهل أمورا كثيرة على الجانب اللبناني وتصبح الصورة واضحة لدى فريق الصندوق لأن ارقام الحكومة باتت المنطلق الصالح لاستئناف عملية التفاوض في جولتها الثانية عشرة وهذا سيساعد لبنان ويعطيه قوة دفع ومصداقية لدي فريق صندوق النقد، مع العلم المسبق بان نتائج المفاوضات التي ما تزال في الإطار التقني لن تتظهر قبل الخريف المقبل.
ما من متابع لمسار عملية التفاوض بين الحكومة وفريق صندوق النقد والظروف المحيطة بها محليا ودوليا إلا ويدرك أن قرار مساعدة لبنان لن يكون بالأمر السهل وأن عقبات كثيرة تعترض سبيل هذه المساعدة فهناك الكثير من المحطات والاستحقاقات تجعل لبنان يتوجس خيفة مما هو آتٍ مع قابل الايام..فهناك قانون قيصر في ما خص العقوبات على سوريا والذي سيبدأ تنفيذه على أربع مراحل تبدأ في السابع عشر من الحالي وتنتهي المرحلة الرابعة مع نهاية أب المقبل والتلويح الاميركي بفرض عقوبات على اي دولة لا تتجاوب معه ، وهناك عدم الرغبة الاوروبية بمساعدة لبنان ما لم يفي بوعده لجهة القيام برزمة من الاصلاحات، ويضاف إلى هذا كله الوضع اللبناني الداخلي الذي لا يبشر بالخير نتيجة حالة التشنج والاحتقان التي تتحكم بالساحة السياسة كما الشارع ، وما جرى السبت الفائت يعكس صورة واضحة عن واقع لبنان المريض، والذي يحتاج الى المزيد من العناية الفائقة منعا من انفلات الامور من عقالها.
ما يجري في لبنان يحتاج إلى عملية جراحية عاجلة وعدم الإكتفاء بإعطاء المسكنات
وما يعزز الاعتقاد بأن لبنان لن يرفد بأية مساعدات دولية عاجلة هو القرار الاميركي المتخذ سلفا بعدم تسهيل مهمة الحكومة الحالية او أي حكومة ثانية ان كانت برئاسة سعد الحريري او تمام سلام او غيرهما ومكوناتها من مختلف القوى السياسية وليس من لون واحد ، وهم زادوا على ذلك أي الأميركيين بتحميل المسؤولين مسؤولية ما آل اليه الوضع اللبناني الراهن ، وقالوا بالحرف الواحد عليكم ان تتحملوا ما أوصلتم أنفسكم اليه.
وفي هذا السياق فإن شخصية سياسية لبنانية اتصلت فجر امس بصديق لها هو مسؤول كبير في صندوق النقد موجود في الولايات المتحدة الاميركية ، وفي سياق الحديث عن لبنان وعملية التفاوض الجارية بين الحكومة اللبنانية وفريق عمل من صندوق النقد عبر لها عن اشمئزازه من الذي حصل في الاجتماع المالي في قصر بعبدا حيث تم اعتماد ارقام الحكومة بدلا من ارقام مصرف لبنان ، وقال: لم تأتِ دولة في العالم الى الصندوق للتفاوض معه وهي مختلفة في ما بينها على ارقامها حتى في غياهب افريقيا لم نصادف هذا الامر.
واضاف هذا المسؤول بحسب ما نقلت عنه الشخصية السياسية اللبنانية: في السياسة تستطيع ان تحصل تسويات فيصبح الابيض أسودَ وكذلك العكس ، لكن في الارقام يستحيل تحول الرقم 5 على سبيل المثال الى رقم 7 ، فالمرجع المالي الاول والاخير يجب ان يكون مصرف لبنان واذا لم تعتمد ارقامه فالأغلب ان لا يكون لدى الصندوق أي ثقة بالحكومة خلال عملية التفاوض.
وتقول هذه الشخصية انه يستحيل ان يمر قانون قيصر على لبنان مرور الكرام الا اذا ارادت واشنطن غض النظر عن لبنان في بعض الجوانب آخذة بعين الاعتبار واقعه بالنسبة لدمشق من مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية وفي المقابل هناك خوف من أن تأخذ اميركا المعابر غير الشرعية حجة لفرض عقوبات مباشرة على لبنان، وهذا ما يسعى اصدقاء لبنان لا سيما فرنسا لتجنبه.
وتعرب عن اعتقادها بأن الايام المقبلة ربما تحمل اخبارا غير سارة على مستوى الداخل اللبناني والدليل انه منذ يوم امس وقبل ان يأخذ قانون قيصر مفاعيله لم يعد هناك من دولارات في السوق اللبناني وهذا امر خطير جداً، وما يمكن ان يزيد الطين بلة هو ما يحكى عن عدم انسجام حكومي حول كثير من القضايا لا سيما التشكيلات القضائية والتعيينات الادرية التي من الممكن ان تفجر مجلس الوزراء ما لم يسبق الاعلان عنها تفاهم سياسي على ارفع المستويات في ظل الاعتراضات التي بدأت تطفو على السطح من اكثر من جهة سياسية وقد ذهب البعض الى حد التلويح بالانسحاب من الحكومة.
وفي رأي الشخصية السياسية ان ما حصل السبت في مختلف محطاته يوضح بأن البلد على كف عفريت وان ما يجري يحتاج الى عملية جراحية عاجلة وعدم الاكتفاء بإعطاء المسكنات.