كتبت دنيز رحمة فخري في “الاندبندت عربية”:
كشف صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير أن لبنان بإمكانه الصمود في وجه الأزمة الاقتصادية والمالية حتى أواخر العام الحالي فقط، في حين لا يمكن التكهن بمصيره بعد ذلك.
ودفعت هذه الواقعة الصادمة معظم القوى السياسية الفاعلة في لبنان إلى إعادة النظر بسياساتها وربما بتحالفاتها لاحقاً، وفي مقدمها “حزب الله” الذي قرر استخدام “التقية السياسية الشيعية” على حد وصف مصدر دبلوماسي خليجي رفيع، بحيث يحاول حالياً إظهار غير ما يضمر.
يرصد “حزب الله” ثلاثة استحقاقات يمكن أن تكون لها تداعياتها على لبنان والمنطقة، وهي الانتخابات الرئاسية الأميركية المتوقعة في 3 تشرين الثاني المقبل، الانتخابات الرئاسية في سوريا المرتقبة في تموز 2021، واستحقاق ثالث متوقع في العام ذاته وهو الانتخابات الرئاسية في إيران.
يقرأ “الحزب” المتغيرات التي حصلت في المنطقة بعد مقتل القائد السابق في “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني، يتابع بحذر التقارب الأميركي – الروسي الحاصل في سوريا، ويستشعر في الوقت ذاته خطورة الوضع الاقتصادي والتغيّر في المزاج الشعبي الذي تظهّر في الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) داخل طائفته في لبنان، ولدى المسيحيين الذي اعتمد على قسم منهم، أي “التيار الوطني الحر” (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون)، لتغطية سلاحه.
كل ذلك سيدفع “حزب الله” وفق الدبلوماسي الخليجي المطلع على الملف اللبناني، إلى “إعادة النظر بخياراته وفي مقدمها تلك المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي المقبل فيذهب باتجاه ترشيح شخصيات معتدلة، غير المتداول بها حالياً، لا يرتبط اسمها بالفساد كعنوان برّاق يقنع فيه الثوار. وهو خيار يمكن أن تلتقي عليه أيضاً، الدول العربية الفاعلة في لبنان ومن بينها الخليجية”.
فهل يكون رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ضمانة القوى الدولية والإقليمية؟ يجيب الدبلوماسي سريعاً “خليّ يظمّط حالو باسيل أولاً”، أي فلينقذ نفسه باسيل.
وكشفت مصادر دبلوماسية لـ “اندبندنت عربية” أن سعد الحريري هو الخيار الإستراتيجي للسعودية في لبنان ولا يزال، وقد أبلغه بذلك حرفياً السفير السعودي في بيروت وليد البخاري في آخر زيارة له إلى “بيت الوسط” (منزل الحريري في بيروت)، جازماً أن “المملكة لا تراهن على خسائر محققة أو مكاسب زائلة، ولا يمكنها أن تسبب خللاً في الاستقرار قبل سنة ونصف السنة على الاستحقاق الرئاسي”. وأضاف أن الرياض “لا تتصرف تصرفا ميليشياوياً وهي عندما تريد أن تقول رأيها تقوله مباشرة”، وذلك رداً على ما تردد عن دعم سعودي لبهاء الحريري على حساب شقيقه، الذي يحظى وفق المصادر، بدعم تركي وقطري لتحريك بعض المجموعات السنية المتطرفة.
أمام هذا الواقع، يشرح المصدر الخليجي أن أمام القوى المعتدلة، ومن بينها قوى كانت تنضوي تحت لواء تحالف “14 آذار”، فرصة مهمة للتلاقي متخطية خلافاتها وتبايناتها الصغيرة، كاشفاً عن بوادر لإعادة بلورة تفاهمات بين هذه القوى، وفي مقدمها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ستظهر خلال الأيام الخمسة عشرة المقبلة، “ليس لأنها تحب بعضها بعضاً ولكن خوفاً من زوال الجميع” كما يقول.
وأشاد الدبلوماسي بموقف رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الذي “ساهم باستقالته بحقن دماء اللبنانيين وتصرف بعقلانية ملبياً مطالب الشارع، وبقي على شروطه على الرغم من تعرضه للتهديد والإغراءات”. “استقالة الحريري أربكت الحلفاء قبل الخصوم” بحسب رأي المصدر، التي توقع عودةً قوية له وأداءً مختلفاً عن المرحلة السابقة، “لكن العبرة تبقى في التنفيذ وفي ترجمة الأقوال إلى أفعال، وحركة الحريري ستكون موضع ترقب ومتابعة عربية”.
من جهة أخرى، توقف رئيس الجمهورية ميشال عون في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي عُقدت في القصر الجمهوري في بعبدا الأربعاء 10 حزيران الحالي، عند ما وصفه بـ”المعلومات والإشاعات التي تتحدث عن تغيير حكومي أو إسقاط الحكومة”، داعياً إلى “عدم إضاعة الوقت للرد عليها”.
في المقابل، كشفت مصادر مطلعة لـ “اندبندنت عربية” أن الأسبوع الماضي شهد اقتراحاً بإجراء تعديل وزاري يشمل 6 وزراء في الحكومة الحالية واستبدالهم بآخرين من قوى خارج الحكومة هي تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، لكن هذه القوى الثلاث رفضت الاقتراح والمشاركة في تغطية فشل الحكومة الحالية. وكشفت مصادر دبلوماسية أن مَن شارك في تشكيل هذه الحكومة من القوى المحلية، بات اليوم يطالب بتغييرها، حتى بعض سفراء الدول الذين دفعوا باتجاه إعطائها فرصة، أدركوا اليوم عدم جدوى ذلك، وهم أبلغوا زملاءهم سفراء دول الخليج بصوابية موقفهم وعدم الرهان على حكومة، لا يزال يصفها السفير السعودي في لبنان كما يردد مقربون منه، بـ”الحكومة المقنّعة”، متسائلاً “كيف يمكن حكومة لا تمتلك القرار السيادي السياسي أن تقدم مشروعاً إنقاذياً للبلد؟”.
وكشفت هذه المصادر لـ “اندبندنت عربية” أن أي تغيير حكومي لن يحصل قبل سبتمبر (أيلول) المقبل، وتضيف “أن إستراتيجية الرياض كانت ولا تزال الحرص على أمن واستقرار لبنان وازدهاره فالمملكة على عكس بقية الدول الغربية والدولية والإقليمية، ليست لديها مصالح سياسية أو عسكرية او تجارية في بلد الأرز، الذي تربطها به علاقة تاريخية انطلقت مع الشاعر اللبناني المسيحي أمين الريحاني عام 1914”.
وبرأي المصادر ذاتها أن “أهم أسباب الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان هي اعتماد السياسات الخارجية العدائية تجاه دول صديقة للبنان وفي مقدمها السعودية”، مذكرة بكلام الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الذي دعا فيه شيعة المنطقة إلى محاربة السعودية، ما يُعدّ وفق القوانين الدولية بمثابة إعلان حرب، “ولم يتبرأ لبنان الرسمي حكومةً ورئيساً من كلامه، إضافةً إلى غياب أي إدانة رسمية لبنانية لتعرض السعودية سابقاً لصواريخ بالستية إيرانية”.
“لم تتخلّ السعودية عن علاقتها المميزة بلبنان، هي موجودة” تختم المصادر كلامها، “لكنها تعتمد حالياً الدبلوماسية الهادئة”.