IMLebanon

لا فتنة.. وإنما غبار لتغطية ما يُحاك

كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:

لم يكن لبنان على موعد مع حرب أهلية جديدة مثلما ذهب البعض الى الاعتقاد في ضوء أحداث السبت الماضي والغرائز الطائفية والمذهبية التي أثيرت خلالها، وإنما كان على موعد مع «سبت فتنة» ذهب ضحيته الحراك الشعبي الذي تورّط، أو ورّطه البعض، برفع شعارات كبيرة يدرك القاصي والداني انها مستحيلة التحقيق في زمن الحروب والنزاعات الاقليمية والدولية الدائرة على ساحة الاقليم.

ما حصل السبت، يؤكد متابعون، كان خروج أو «إخراج» الحراك الشعبي عن مواضعه بفِعل فاعل، بل بفعل فاعلين عرفوا كيف يستدرجونه الى شعارات سياسية كبيرة لا تمتّ الى مطالبه بصلة، فهو عند انطلاقته في 17 تشرين الاول الماضي كان يطالب باستعادة المال المنهوب من كثيرين من طاقم الطبقة السياسية الذين تقاسموا خيرات الدولة أسلاباً ومغانم منذ عشرات السنين، ومكافحة الفساد ووقف الانهيار الاقتصادي والمالي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة تنتج سلطة جديدة تبني دولة نظيفة عادلة خالية من الفساد والفاسدين.

وفي ظل الشعارات – البلاوي التي أريد إنزالها على لبنان الوطن في ذلك السبت، كان الفاسدون من ابناء الطبقة السياسية يعيشون «شعور الفرج» الذي يعيشه المذنب عندما يطلب القاضي او السائل منه حلف اليمين بأنه لم يرتكب الجرم المتهم به، فيقول في سره: «لقد جاء الفرج»، لاعتقاده انّ مجرد «حلفانه» يعطيه البراءة من الجرم.

ولذلك جاءت الشعارات والهتافات، الهادِف منها والمفتعل أو المفبرك، لتضع الحراك في موقع المتهم بتهديد لأمن الدولة الداخلي وتعريض سلمها الاهلي للخطر كون أيّ فتنة او مذهبية كفيلة بأخذ البلاد الى الخراب، تماماً كما كانت الحال ايام الحرب الاهلية التي دامت 17 عاماً وما توقفت إلّا عندما تلاقت إرادات مديريها ومموّليها من الخارج والداخل على المصلحة في وَقفها بعدما دمّرت البلاد بكل بناها التحتية والفوقية البشرية والحجرية.

ولذلك، سيكون الحراك الشعبي من الآن وصاعداً امام تحدي استعادة الثقة الشعبية به، حيث انّ عليه أن ينأى بنفسه عن القوى السياسية واي مؤثرات خارجية تعمل للاستثمار عليه لأهداف خاصة بها، فما ظهر تحت جنح أحداث السبت الماضي دَلّ الى انّ كثيراً من القوى الداخلية والخارجية فعلت فعلتها وأشاعت في البلاد اجواء حرب اهلية نسي معها اللبنانيون المصائب التي يعيشونها منذ حصول الانهيار المالي والاقتصادي إثر حراك 17 تشرين الاول، ومنعه من تحقيق اهدافه التي طمحت الى تحقيقها قوى شعبية حيّة من كل اطياف الشعب اللبناني نزلت الى الشارع بعفوية، سرعان ما تبدّدت نتيجة تسييس الحراك باندِساس قوى سياسية وجدت نفسها متضرّرة منه، بل وجدت انّ مصيرها بات في خطر.

وفي غضون ذلك، وعلى رغم رغبة البعض برحيل الحكومة واعتبارها «ميتة سريريّاً من دون إعلان»، وعلى رغم الإثارات الطائفية والمذهبية التي تشهدها البلاد من حين الى آخر، فإنّ فريقاً من السياسيين يرى ان ليس هناك من ارادة لدى أيّ فريق داخلي للذهاب الى الفتنة رغم انّ البعض لعبها على أساس «شارع مقابل شارع، من دون ان يكون هناك قرار بالنزول الى الشارع».

ويُبدي هذا الفريق خشية من ان يكون ما حصل السبت، ربما يكون منطلقاً من خلفية رغبة قوى إقليمية ودولية متجددة لاستخدام لبنان ساحة لإثارة غبار يغطّي على ما يُحاك في المنطقة من مخططات، تماماً كما حصل عندما تم إقرار اتفاق كمب ديفيد تحت جنح الحرب التي اندلعت عام 1975 وتوالت فصولاً لأكثر من 17 عاماً.

ويعتقد هؤلاء انه ربما تكون هناك ارادة خارجية بإثارة فتنة في لبنان حتى يغطّي غبارها على المشروع الاسرائيلي لضَم الضفة الغربية. ويقال في هذا الصدد انّ الادارة الاميركية تحاول إقناع اسرائيل بتأجيل تطبيق هذا المشروع المقرّر مطلع تموز المقبل، حيث انّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب يخشى من ان تنعكس ردود الفعل المتوقعة على هذا المشروع الاسرائيلي على رصيده الانتخابي، حيث انّ الوضع سينفجر في الضفة والاردن إذ يخشى من ان يكون الهدف الاسرائيلي إطاحة مشروع الدولة الفلسطينية والدفع في اتجاه ان يكون الاردن الوطن البديل للفلسطينيين.

ولكنّ قطباً سياسياً يعتقد انّ كل ما يجري في لبنان وما يُمارس من ضغوط اقتصادية ومالية عليه وعلى «حزب الله» والقوى السياسية الحليفة له الى جانب «قانون قيصر» ضد سوريا وما يمكن ان تكون له من انعكاسات على لبنان، إنما يُدرج في إطار سعي ترامب الى تجميع اوراقه في ربع الساعة الاخير قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني المقبل، بغية تحسين شروط المفاوضات التي يجريها مع خصومه وأعدائه في ساحات كثيرة، وخصوصاً في الساحة الاقليمية، لعلها تعزّز من رصيده الانتخابي. ولكنّ هؤلاء الخصوم والاعداء يواجهونه بمقولة «صَبر ساعة»، فما قبل الانتخابات الاميركية سيكون الواقع في لبنان والمنطقة شيء، وما بعدها سيكون شيئاً آخر سواء فاز ترامب او فاز منافسه الديموقراطي جو بايدن.