كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:
لا تزال حكومة 8 آذار “المستقلّة” مصرّة على اصطناع هالة زائفة من الإنجازات، على الرغم من وضوح عجزها عن التصدي الفعلي للفساد. فملوك الفيول أحرار والملاحقون “أكباش محارق” ولا حلول جذرية على المدى القريب في ملف الكهرباء، في وقت يبدو فيه أن الأوضاع تذهب إلى مزيد من التعقيد، تزامناً مع انسحاب شركة سوناطراك الجزائرية وإعلانها عدم رغبتها بتجديد العقد لاستيراد الوقود لصالح “مؤسسة كهرباء لبنان” والذي ينتهي في 31 كانون الأول المقبل.
ستة أشهر بالتمام والكمال، بعدها سيكون اللبنانيون على موعد مع “العتمة” المؤكدة، وسيحل الظلام مجدداً في لبنان ليذكرنا بأيام الحرب الأهلية، وعندها ستصل قدرة احتمال الشعب إلى حدّها. فإن لم تجد الدولة اللبنانية بديلاً عن “سوناطراك” سريعاً، سينفجر الوضع لا محالة، مهما حاول التيار الوطني الحر الممسك بوزارة الطاقة منذ سنوات احتواءه.
الحل بيد الحكومة
ويقول مصدرٌ في وزارة الطاقة لـ”نداء الوطن” أن الضغط حالياً ملقى على عاتق مجلس الوزراء مجتمعاً إذ أن قرار وزير الطاقة وحده لا يكفي لتحديد الخطوات التي ستتخذ لناحية البدائل المتوافرة لاستيراد الوقود. أما مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتيان وفي حديث لـ”نداء الوطن” ذكرت أن على الوزير ريمون غجر “أن يطرح فوراً دفتر شروط على موقع وزارة الطاقة، كما فعل وزير الإقتصاد والتجارة راوول نعمة مع قانون المنافسة، وذلك لأهمية الشراكة مع المواطنين ولا سيما لدى صياغة دفتر شروط مناقصة، ولضرورة الإستفادة من الخبرات الكبيرة المتوافرة وانطلاقاً من مبدأ “حق الوصول إلى المعلومات” وكي يتأكد المحامون من عدم وجود أي ثغرات، على أن يرسل الناشطون والخبراء اقتراحاتهم ضمن مدة أسبوع مثلاً وذلك تمهيداً لمراجعتها وإعداد المسودة النهائية، ثم إرسالها إلى مجلس الوزراء”.
كما أكدت هايتيان أنه وبحسب العقد الموقع مع سوناطراك بقرار من مجلس الوزراء اللبناني في جلسة عقدها يوم 19 أيار الماضي وعلى الرغم من الشبهات التي تحوم حول ملف “الفيول غير المطابق للمواصفات”، يحق للشركة الإنسحاب قبل مضي ثلاثة أشهر من تاريخ التجديد وهو ما قامت به “سوناطراك” وبالتالي يُعتبر قرارها بعدم المضي بالعقد قانونياً كرد قاسٍ على ما صرحت عنه الشركة الجزائرية ووصفته بـ”فشل وزارة الطاقة اللبنانية في اتخاذ أي إجراء او إصدار أي بيان علنيّ للحفاظ على سمعة “سوناطراك”، خصوصاً بعد الحملة الشرسة التي طاولتها وتناولت مصداقيتها وشفافيتها”. وشددت هايتيان على أن الإنسحاب من العقد ما هو إلا ضغط إضافي على الحكومة التي يجب عليها الإسراع في إيجاد “البديل”، أما التحقيقات في ملف الفيول غير المطابق للمواصفات فيجب أن يستكمل قضائياً وألا يتم اقفال الملف مع انتهاء العقد.
وأشارت هايتيان إلى أنّ في كل ما يحدث مقاربة ايجابية واحدة تتمثل بأهمية تحوّل المواطنين إلى “الطاقة المتجددة” التي يبدو أنها ستفرض عليهم ما لم يتم ايجاد بديل عن “سوناطراك” قبل نهاية العام وما لم تسر الدولة اللبنانية بعقود جديدة تلبّي السوق اللبناني، أو على الأقل “انعاش” العقد مع دولة الكويت.
بين السيئ والأسوأ
أما نائب رئيس الحكومة السابق غسّان حاصباني فقد تخوّف في حديث مع “نداء الوطن” من أن “تفرض حجّة الطوارئ إيقاعها في هذا الملف، ومن أن “يطبخ أي عقد جديد على طريقة “السلق” والإضطرار المعهودة في ظل إنذارات ضيق الوقت التي يخشى كثيرون أن تُفضي إلى كهرباء صفر على 24″. كما أشار حاصباني الى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتماد هذا الأسلوب بـ”ليّ الذراع” وتخيير الشعب بين السيئ والأسوأ وبين الشركات والعقود بالتراضي أو “العتمة”.
وأضاف حاصباني “حدث ذلك سنة 2012 كما في 2017. فإذا ألقينا نظرة تاريخية نعلم أنه آخر مرة تقدم فيها هذا الملف على مجلس الوزراء كان بتاريخ 14 أيلول 2017 أي قبل أسبوعين من مهلة الإخطار المحدّدة في 31 أيلول 2017، لكنه أدرج للمناقشة في شهر 11 أي بعد انقضاء وقت التفاوض (شهر 10) كما أنه قبل شهر واحد من تاريخ إنتهاء العقد في 31/12/2017 فتم التجديد حينها “حكماً” وليس طوعاً رغم رفضنا كقوات لبنانية له، على أن يكون تمديداً جزئياً شرط استدراج عروض جديدة حرصاً على استمرار المرفق العام لكن مر الزمن وبقي التعامل مع “سوناطراك” جارياً”.
وأكمل “كما رفع دفتر الشروط إلى إدارة المناقصات في الشهر العاشر من العام 2018 أي بعد سنة من التمديد من دون طرح أي مناقصة، وبعد ذلك أيضاً بسنة في الـ 2019 عادت وأرسلت الوزيرة ندى البستاني دفتر الشروط ذاته منقحاً ومعدلاً إلى دائرة المناقصات وصار جاهزاً بملاحظاته لطرحه إلى السوق منذ تاريخ 18/11/2019 أي لا داعي للعمل مجدداً على دفتر الشروط ولا ضرورة لنقاشه مجدداً، فالوقت يداهمنا وفعلياً لدينا 3 أشهر فقط لطرح مناقصة واعتماد التعامل مع شركة أخرى غير سوناطراك، على أمل أن لا نذهب إلى حلول “تبويس اللحى”. وختم حاصباني “لكن على الأرجح لبنان مقبل على عصر حجري مع نهاية العام ولن يتوقف الأمر على قطاع الكهرباء بل أن أزمة انقطاع الفيول ستؤثر بدورها على قطاعات أخرى كقطاع الإتصالات وغيره، خصوصاً ما لم تتم حلحلة موضوع تهريب المازوت أيضاً”.
مفاوضات وضغط
ترتبط “سوناطراك” منذ كانون الثاني 2006، باتفاقية مع وزارة الطاقة اللبنانية لتزويدها بوقود الديزل وزيت الوقود أي “الفيول”، كانت تجدد كلّ 3 سنوات طيلة 15 عاماً. أي منذ ما قبل وعود بـ “كهرباء 24/24” لرئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق جبران باسيل سنة 2010 بأربع سنوات.
وربما من أهم مميزات عقد شركة “سوناطراك” الذي اطلعت عليه “نداء الوطن” هو أن بموجبه كان لبنان يستلم شحنات الوقود من دون إعطاء الشركة الموردة أي اعتمادات مسبقة وبالتالي كانت تمتلك الدولة اللبنانية حق تسديد الموجبات لاحقاً أو بعد زمن ومن دون حجز اعتماد مالي في وزارة المالية. واليوم سيختلف الأمر إذ باتت وزارة الطاقة ملزمة بإجراء مناقصات جديدة وطرح دفتر شروط جديد يلزمها قانوناً بحجز اعتماد مالي في وزارة المالية ويحدد قيمة المناقصة ككل، في زمن الإنهيار الإقتصادي وتهاوي سعر صرف الليرة مقابل الدولار وعدم قدرة الدولة على تغطية مصاريف الناقلات أو تأمين الإعتمادات.
على صعيد ذي صلة، يقول مصدر مطلع لـ”نداء الوطن” إن شركة “سوناطراك بي في أي” ما زالت مهتمة بالتجديد بالرغم من كل ما يشاع عن انسحابها النهائي، فهي ليست الشركة الأم ومسجلة في إحدى مناطق الملاذات الضريبية بل هي الشركة الفعلية التي تعامل معها لبنان منذ سنوات وتقوم بدورها فعلياً شركتا “بي بي انرجي” و”زد. ار. انرجي” لتوريد الشحنات، وأن قرار الإنسحاب هو ضغط لتقوية موقف الأطراف المتفاوضة على الملف.
يتابع المصدر “أضف إلى خبر الإنسحاب، الضغط الذي تواجهه اليوم وزارة الطاقة ووزارة المالية والشعب في ملف تأخير دخول البواخر الثلاث التي تحمل مادة المازوت إلى لبنان، والذي سيلعب كورقة ضغط إضافية في الملف. فسفينة Asopos قد وصلت إلى لبنان في 29 نيسان ومضى على وجودها على الشاطئ اللبناني أكثر من 43 يوماً، وتتقاضى 30 الف دولار عن كل يوم تأخير أما سفينة British Cumulus فتنتظر في محيط الجية من تاريخ 13 نيسان أي منذ أكثر من 50 يوماً، ويستحق لها 30 الف دولار عن كل يوم تأخير وسفينة Crown Sea تنتظر منذ أكثر من 30 يوماً لتحميل “الفيول غير المطابق للمواصفات”، وتتكبد الوزارة 28 ألف دولار يومياً عن هذا التأخير. وفي عملية حسابية بسيطة يتبين أن ماليتنا تتكبد مجموع ما يقارب الـ4 ملايين دولار كغرامات على تأخير البواخر حتى الآن لأن مختبرات فحص الفيول التابعة للوزارة مقفلة، لأن المسؤولين فيها والعديد من الموظفين ما زالوا موقوفين على ذمة التحقيق الذي تديره القاضية غادة عون منذ بضعة أسابيع، ولم تتم إحالة أي منهم إلى المحاكمة”.
أما مراقبو الشأن اللبناني فيرون أن تداعيات “العتمة” في المشهد اللبناني لن تتوقف عند حدود انفجار الشارع بل إلى إعادة ترتيب الأوراق. كما أنه لا أمل في إيجاد حل بظرف 6 أشهر تبعاً لثلاث تجارب سابقة في العام 2010 وفي العام 2017 والعام 2019، حيث أقرت حكومات الرئيس الحريري في ذلك الحين ثلاث خطط متشابهة في ما بينها ومنقحة لنفس المضمون كل مرة، تحدثت عن تأمين الكهرباء 24/24 خلال خمس سنوات، ولم تر النور بسبب “العرقلة” المزعومة وقانون “ما خلونا” الذي صار من أهم شعارات تكتل لبنان القوي صاحب الغالبية النيابية.