يبدو أن المنطقة بدأت تشهد تداعيات العقوبات الأميركيّة القاسية على إيران وحلفائها ووكلائها في الشرق الأوسط. إنّه سلاح “العم سام” الأمضى، سلاح العقوبات الذي يفتك بالاقتصادات والعملات ويجعل الممانعين يطرحون أكثر من علامة استفهام حول مناعة أنظمتهم الهشّة و”الحكمة” وراء الدخول بمواجهات لا طاقة لشعوبهم على تحمّل تبعاتها الكارثيّة، في وقت باتت الجمهوريّة الإسلاميّة أمام مفترق طرق: إمّا إبرام اتفاق “نووي” شامل جديد بالشروط الأميركيّة، وإمّا المواجهة المفتوحة عبر إشعال جبهة أو أكثر على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي”.
وبينما تُحاول طهران الصمود قدر الإمكان بانتظار ما ستؤول إليه نتيجة الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في تشرين الثاني المقبل، مراهنةً على احتمال هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ما قد يُشكّل متنفّساً لها، يُلاحق “شبح المجاعة” محور “الممانعة” برمّته، فيما تقف إيران منهكة وعاجزة حتّى عن تأمين بعض الدولارات لتسدّ بها أبسط حاجيّات ميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق أو تُعطي جرعة دعم لحليفها في دمشق، حيث التدهور المعيشي يُهدّد عرش النظام، ما جعل الرئيس السوري بشار الأسد أمس يُقدّم رئيس حكومته عماد خميس على مذبح تهدئة الغضب الشعبي المتنامي كالنار في هشيم المدن السوريّة الرازحة تحت وطأت الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسيّة والاقفال القسري لكثير من المتاجر، حتّى قبل دخول قانون “قيصر” حيّز التنفيذ منتصف الشهر الحالي.
وأعفى الأسد خميس من منصبه، وكلّف وزير الموارد المائيّة حسين عرنوس بمهام رئيس الوزراء مع الاستمرار بمهامه كوزير، حتّى إجراء الانتخابات البرلمانيّة في 19 تموز، علماً أنّ رئيس الوزراء الجديد مشمول على غرار سلفه بالعقوبات التي تفرضها منذ سنوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري.
كذلك، خاب أمل ميليشيات “الحشد الشعبي” في الآونة الأخيرة حين زارها للمرّة الأولى قائد “فيلق القدس” الإيراني الجديد إسماعيل قاآني، خالي الوفاض، بلا حقائب من الأموال ومن دون دعم مادي ملموس، كما جرت العادة سابقاً مع الجنرال قاسم سليماني، مكتفياً بـ”هدايا رمزيّة” هي كناية عن “خواتم فضّية”.
ويعكس هذا المشهد، الذي جاء في سياق تقرير لوكالة “أسوشيتد برس”، قدرات إيران المتضائلة بشكل رهيب بسبب سيف العقوبات الأميركيّة القاتل. وخلال زيارته الثانية إلى بغداد، كان على قاآني التقدّم بطلب للحصول على تأشيرة، وهو أمر لم يحدث قطّ مع سلفه سليماني، في خطوة جريئة من قبل حكومة بغداد الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، الذي يسعى إلى تقييد حرّية إيران في التنقّل داخل العراق.
وهدايا قاآني من الخواتم الفضّية عوضاً عن الأموال، جاءت خلال اجتماع في نيسان مع قادة عدد من فصائل “الحشد”، بحسب ثلاثة مسؤولين ذكروا أن قاآني قال لهم إنّهم سيضطرّون في الوقت الحالي إلى الاعتماد على تمويل الدولة العراقيّة، في إشارة إلى الأزمة الاقتصاديّة التي تعصف بإيران. وسرعان ما بدأت الانقسامات العميقة تظهر في صفوف “الحشد”. وفي هذا الصدد، أعلنت 4 فصائل مرتبطة بالمرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني أخيراً أنّها ستتلقّى أوامر مباشرة من رئيس الوزراء العراقي، متجاوزةً قيادة “الحشد الشعبي”، وذلك بعد انسحابها من قيادة “الحشد”، في حين ذكر مسؤول بارز في “كتائب حزب الله” أن الخطوة أضعفت “الحشد” وشرعيّته بين الجمهور، خصوصاً أن صدقيّة “الحشد” بالنسبة إلى كثيرين مستمدّة من “فتوى السيستاني”. وكان الشقاق واضحاً عندما زار الكاظمي مقرّ قيادة “الحشد” بعد أسابيع من تولّيه منصبه، إذ جلست إلى يمينه شخصيّات مقرّبة من طهران، بينما جلس إلى يساره المقرّبون من السيستاني.
في الغضون، أكد المبعوث الأميركي إلى إيران براين هوك أن بلاده لا تُريد أن ترى نسخة من “حزب الله” على حدود السعوديّة، وقال: “رأيت الأسلحة الإيرانيّة التي تُعطى للحوثيين من قبل طهران عندما زرت المملكة”، مؤكداً أن واشنطن تضغط في اتجاه قطع أي تمويل للحوثيين من إيران، وكشف أن استراتيجيّة الولايات المتحدة تجاه طهران ترتكز على ثلاثة محاور، “عقوبات اقتصاديّة، عزلة ديبلوماسيّة وتهديد باستخدام القوّة العسكريّة الرادعة”.
وفي الملف السوري، شدّد هوك على أن “هدفنا هو إخراج الميليشيات الإيرانيّة من سوريا”، موضحاً أن ميليشيات طهران أعادت تموضعها داخل الأراضي السوريّة وانتقلت إلى الشمال. وأشار أيضاً إلى أن اهتمام روسيا والنظام السوري تراجع تجاه تعزيز إيران لسياستها الخارجيّة في سوريا وعلاقتها مع “حزب الله”.
ولفت إلى أن ثمن إعادة إعمار سوريا يبلغ 400 مليار دولار، مضيفاً: “روسيا لن تدفع هذا الثمن. والدول المانحة ونحن لن ندفع فلساً واحداً في إعادة الإعمار حتّى نرى خروجاً كاملاً للميليشيات الإيرانيّة من سوريا”. كما عبّر عن سعادته بنتائج العقوبات التي فرضتها واشنطن على “حزب الله”، مثمّناً دور ألمانيا بتصنيف الحزب “منظّمة إرهابيّة”.
وأشار إلى أن هناك دعماً من الحزبَيْن الجمهوري والديموقراطي في الكونغرس لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران، وأكد أنّه “من المهمّ ألّا تحصل إيران على السلاح النووي”، كاشفاً أنّ الرئيس دونالد ترامب مستعدّ للتفاوض مع النظام الإيراني بينما وزير خارجيّته مايك بومبيو وضع شروط هذا التفاوض. في حين كانت طهران تعرب أمس عن استعدادها لتبادل مزيد من السجناء مع الولايات المتحدة.