هذه المرة أيضا، باغت الناس الجائعون الباحثون عن الدولار وقيمة الليرة المنهارة ولقمة العيش كل القوى السياسية، فعادوا إلى الشارع في مشهد ذكّر إلى حد بعيد بانطلاقة الثورة في 17 تشرين، مع العلم أن بعض لاعبي الداخل كان اعتقد أن الأمور قد تحل بمجرد استقالة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والاتيان بالحكومة التي وعد الرئيس حسان دياب بأن تكون مستقلة تماما عن الأحزاب التي تعارضها الثورة. غير أن مرور فترة سماح المئة يوم التي طلبها دياب من دون أي انجازات تذكر، ما خلا فيروس كورونا، أثبت أن الأمور أخذت منحى مختلفا وأكدت أن الأولوية للهم الاقتصادي والمعيشي والمالي في زمن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
غير أن مصادر سياسية مراقبة دعت عبر “المركزية” إلى مقاربة الجولة الجديدة من الثورة التي سجلت أمس على طول البلاد وعرضها من زاوية التوقيت. وأشارت في هذا الاطار إلى أن الشارع اشتعل مجددا بعد أقل من أسبوع على تحركات مناصري ثنائي أمل-حزب الله التي أطاحت تحرك السبت الفائت، بذريعة أن المس بسلاح المقاومة ممنوع، بعدما تصدر تنفيذ القرار الدولي 1559 لائحة المطالب التي حركت ثوار 6 حزيران.
واعتبرت المصادر أن خطوة اللعب على وتر شارع مقابل شارع، تتجاوز في دلالاتها الاستعادة البغيضة لتجرية 7 أيار 2008، مشيرة إلى أن الحزب لم يجد أمامه إلا الشارع والوتر الطائفي المقيت وسيلة ليرسم معادلات جديدة، فرفع باكرا “بطاقة حمراء” في وجه الداعين إلى نزع سلاح المقاومة، تضاف إلى “اللاءات الثلاث” التي كان الأمين العام لـ حزب الله” السيد حسن نصرالله رفعها في وجه المتظاهرين في 18 تشرين الأول الفائت. ولفت إلى أن نصرالله كان رفض إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري (الذي عاد واستقال لاحقا) ورفض “إسقاط عهد رئيس الجمهورية”، كما اجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وفي إطار تحليل هذا الاستنتاج، ذكّرت المصادر بأن مناطق نفوذ الحزب شهدت أمس تظاهرات حرص مناصروه الذين شاركوا فيها على تأكيد أن شعارهم الوحيد رفع الحرمان والجوع عنهم على وقع الانهيار الخطير في سعر صرف الليرة.
أما عن أسباب دخول الحزب بشكل مباشر على الخط تحت شعار مناهضة الجوع والوقوف مع الناس في أوضاعهم الصعبة، فنبهت المصادر إلى أن الضاحية اليوم في حال ترقب لقانون قيصر وتداعياته عليه وعلى لبنان، فهو يحاول حرف الأنظار عن الاشكالية الكبيرة التي يسببها له والتداعيات الخطيرة التي ستترتب عليه وعلى النظام السوري الحليف وتوجيه بوصلة الاتهام في اتجاه واحد، رياض سلامة، وإثبات نفسه قوة قادرة على فرض المعادلات والدخول في صلب المعالجات، قبل أن تدق ساعة قيصر.
وتبعا لذلك، اوضحت المصادر ان الحزب الذي يشتد الخناق تدريجيا حول عنقه وبعدما تمكن، ومَن في السلطة مِن فرض تعييناته بقوة الامر الواقع، لاسيما المالية منها، لم يعد امامه سوى ورقة حاكم مصرف لبنان للامساك بالقرار السيادي المالي بعدما امسك بالسياسي لمواجهة الخطر القادم من الغرب.