كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
عندما يجتاح سلاح العقوبات الاقتصادية الأوطان الصغيرة يرمي بها سريعاً في أتون الفتن والنزاعات، ويُلقيها على أبواب الحروب وحيدة للقدر المجهول. قد لا تهتم كثيراً واشنطن لتداعيات قوانينها واجراءاتها العقابية على بلد مثل لبنان ينوء تحت كل أنواع الأزمات والمشاكل، وهو الذي لم يخرج أصلاً من حروب مديدة ليعود إليها. وقد لا تعير أهمية لما قد يعانيه معظم الشعب اللبناني من ويلات القصاص ويكون معظم مكوناته بمنأى عن الضرر الكبير أمنياً واقتصادياً ووطنياً.
كان ينقص لبنان قانون “قيصر” كي تكتمل أزمته فصولاً، وتقفل الحكومة عداد المصائب التي تواجهها، وهي التي تسير بين نقاط العلاقة مع سوريا بحذر شديد في الأيام العادية فكيف مع قانون “قيصر”؟
في السابع عشر من الجاري يبدأ الاميركيون تطبيق القسم الأول من مفاعيل هذا القانون، الذي يفرض عقوبات على سوريا وحلفائها والمتعاونين معها اقتصادياً وسياسياً. على ان يصار الى تطبيق القسم الثاني منه في تموز المقبل ليشمل عقوبات على المتعاونين مع النظام السوري واصدقائه وحلفائه. قانون متشعب نصاً وروحاً وحمّال أوجه في التفسيرات. أقله هذه هي الفكرة التي خرج بها متابعو هذا القانون والمعنيون مباشرة بتطبيقه. لكن الواقعة وقعت ووضعت رقبة لبنان تحت المقصلة، فإما الانصياع الى التطبيق او العقوبات. وحين نتحدث عن عقوبات للتعاون مع سوريا فقد تشمل قطاعات حيوية كثيرة من تبادل تجاري وحركة ترانزيت والحركة المصرفية.
ولذا انصرف لبنان الى دراسة قانون قيصر بتفاصيله لمعرفة القطاعات التي تطاولها العقوبات. وهذا ما انطلقت منه اللجنة الوزارية المكلّفة بحث قانون “قيصر”، التي عقدت أول اجتماعاتها أمس في وزارة الخارجية برئاسة وزير الخارجية ناصيف حتي، وحضور ممثلين عن المصرف المركزي وجمعية المصارف. وقالت مصادر المجتمعين: “إن لبنان شرع في دراسة هذا القانون وتأثيراته عند وضعه موضع التنفيذ، لا سيما ان سوريا تشكل ممراً الزامياً للنشاط الاقتصادي اللبناني وحركة الترانزيت باتجاه الدول العربية، أي أنها وبحكم الواقع الجغرافي رئة لبنان الى العالم العربي”. ويفترض ان تخرج اللجنة بعد سلسلة اجتماعاتها بقرارات أو توصيات ترفعها الى مجلس الوزراء.
كانت جلسة الامس عبارة عن عصف فكري حول ما يمكن فعله ليتجنب لبنان تداعيات هذا القانون. وما تفعله اللجنة الوزارية هو دراسة القانون من كل جوانبه وأبعاده، خصوصاً انه قانون لدولة وليس قانوناً دولياً، ورغم ذلك يتخوف لبنان من ان يطاول القانون بعقوباته قطاعات معينة أو شخصيات تعمل في قطاع ما.
مصدر وزاري مشارك في الاجتماع قال إن لبنان الذي يريد أن يبني أفضل العلاقات مع الأميركيين، يتحاور معهم لتفهّم خصوصية العلاقة اللبنانية – السورية وحاجتها للبنان، معتبراً ان مطاولة القانون لبنان في اي من قطاعاته يعد مشكلة يفترض ايجاد المخارج اللازمة لها.
مصدر آخر شدد على ضرورة درس القانون ومعرفة تداعياته السلبية كي يحاول لبنان منعها او تخفيضها، خصوصا وانه بلد متداخل مع سوريا والانفصال عنها يعني خنقه اقتصادياً، وهو ما يحاول لبنان توضيحه للجانب الاميركي الذي لا يبدو أنه يتعاطى بواقعية مع هذا الملف كما الملفات الاخرى، وهم يقصدون خنق سوريا اقتصادياً عبر لبنان وهذا أمر من شأنه ان ينعكس سلباً على لبنان ايضاً. ويتابع: “ما يحاول فعله لبنان هو التخفيف قدر المستطاع من الاضرار الناجمة عن هذا القانون وتطويق تداعياته”، متوقعاً الا تشمل تأثيراته قطاعات على صلة بمواد غذائية او التعاون في مجالات معينة كالكهرباء والترانزيت، اي كل ما له بعد انساني. هذا فضلاً عن بحث موضوع المصارف اللبنانية التي لها فروع في سوريا والتي لا يجب ان يشملها القانون، لكونها مصارف مستقلة عن المصارف اللبنانية ويفترض ألا يشملها القانون.
المطلوب من الحكومة، بحسب المصدر، ان يتم التعاطي مع القانون بواقعية بعيداً من التهويل وعدم الذهاب بعيداً في تنفيذ أمور لا ينص عليها القانون أو يشملها، بل وضعه في اطار واقعي ودراسته بطريقة علمية تفيد لبنان ولا تفقده علاقاته مع الآخرين، فعدا التعاون في مجال استجرار الكهرباء من المتوقع ان يبدأ لبنان شراء القمح من سوريا، لأن إحتياط القمح في مخازنه سينتهي عما قريب وهناك صعوبة لإستيراده من الخارج، لشح الدولار واستمرار الإقفال بسبب “كورونا”.
ما يحاول لبنان فعله هو البحث مع الاميركيين حول امكانية تطبيق مبدأ الاستثناء الذي اعتمدته الولايات المتحدة مع العراق، بحيث استثنت العقوبات أموراً معيشية، وشرح أهمية الحدود البرية مع سوريا ومصلحة لبنان في استمرار فتح هذه الحدود. على أن الموضوع قيد البحث ولم ينته الى قرار سلبي أو ايجابي، بل إن القانون بتفاصيله عرضة للدراسة والبحث في محاولة انعكاسه من دون خسارة سوريا وبالتفاهم مع الاميركيين. وعلم في هذا الاطار ان الاميركيين قد يتجهون لإعطاء لبنان مهلة سماح قبل الشروع في محاسبتهم على تنفيذ القانون.
المؤكد أن قانون “قيصر” الأميركي سيزيد من معاناة اللبنانيين عموماً، وربما أكثر مما سيؤثر على محور المقاومة والممانعة، بينما لبنان، أفراداً ومؤسسات، سيمنعون من المشاركة في إعادة إعمار سوريا وبالتالي دفع ما تبقى من الدولة اللبنانية ومؤسساتها للانهيار!