Site icon IMLebanon

معتقل سوري سابق: سجينا “السخرة” لبنانيان لم تسأل عنهما الحكومة

في مثل تلك الفترة بيونيو قبل خمس سنوات، خرج عمر الشغري من سجون النظام السوري إلى رحاب الحرية مكرّساً هذا اليوم تاريخاً جديداً لميلاده بدلاً من 14 أيار، “لأن من يخرج من سجون الموت التي يُديرها النظام يولد من جديد” على حدّ تعبيره.

هذه السنوات الثلاث السوداء التي أمضاها عمر متنقّلاً بين سجون النظام السوري، أراد تحويلها إلى بارقة أمل في حياة أهالي معتقلين لا يزالون يقبعون في زنزانات الرعب، من خلال انضمامه إلى فريق الشهود الأساسيين لتوثيق عذابات المساجين في إطار قانون “قيصر” لمعاقبة النظام السوري على جرائمه ضد المدنيين والذي يدخل حيّز التنفيذ في 17 حزيران الجاري.

وفي اتّصال مع “العربية.نت” روى عمر الشغري معاناته داخل سجون النظام عندما كان في السابعة عشرة من عمره، حيث اعتُقل في العام 2012 من مدينة بانياس وخرج بأعجوبة على حدّ قوله في العام 2015.

كما كشف كيف انطلقت “مغامرة” الضابط السوري المنشق الذي عرف لاحقا باسم قيصر، من غرفة تسمى “غرفة الموت” كان يزج فيها ببعض المعتقلين ليلفظوا أنفاسهم الأخيرة.

وتنقّل بين سجون عدة، من سجن فرع 248- القابون إلى فرع 291 قبل أن يستقرّ في سرية المداهمة والاقتحام فرع 215 في كفرسوسة والمؤلّف من ستة طوابق، حيث كان يقبع في زنزانة تحت الأرض.

معتقلون منسيون

وقال في حديثه للعربية.نت “إن الطابق السادس من فرع 215 يضمّ معتقلين من مختلف الجنسيات العربية، من تونس (45 معتقلاً)، الجزائر (معتقلان)، إضافةً إلى نساء معتقلات منهن ابنة خالتي ومعظمهم كانوا يعاقبون بجرائم خاصة تعود صلاحية البتّ فيها إلى نائب وزير الدفاع اللواء آصف شوكت في حينه، فهو كان الآمر الناهي في وضعهم، إلا أنه وبعد أن قُتل في تموز 2012 لم يعد أحد يهتم بهم، لأن قضيتهم كانت مرتبطة مباشرةً بشوكت”.

كما أكد “أن سجاء هذا الطابق معزولون كلّياً عن الطوابق الخمسة الأخرى، إلا أنه وفي العام 2012 تمت معاقبة السجينين السوريين ياسر عبد الكريم العناد المُلقّب بـ(أبو عمّار) وعبد الباقي الحسين المُلقّب بـ(أبو قصي) المعتقلين منذ العام 2008 بإنزالهما إلى زنزانات تحت الأرض، لأنهما تقاتلا، لكن هذه كانت خطة منهما لمعرفة ما يجري مع رفاقهم السجناء في الزنزانات التي لا يخرقها نور الشمس”.

تسمم في السجون

وبعد عام على هذه الواقعة، وتحديداً في العام 2013، تم إنزال 4 معتقلين تونسيين من الطابق السادس إلى الزنزانات تحت الأرض، كما قال عمر لأن وباء أو تسمما انتشر داخل السجن بسبب وجبة إفطار تضمّنت البيض الأمر الذي تسبّب بمرض عدد كبير من المساجين، لأننا لم نأكل بيضاً منذ أكثر من سنة. وبعد مدة توفي أحد السجناء التونسيين، لأن جسمه لم يحتمل”.

غرفة الموت وكاميرا قيصر

وفي السياق، تحدّث عمر عن الطبيب السجين قصي شحّود الذي وصفه بـ”طبيب الموت”، لأنه كان يحقن السجناء المرضى بحقن هواء في أعناقهم تؤدي إلى موتهم سريعا. وبعد أن يموتوا بين يديه يطلب من المسؤولين عن السجن رميهم في غرفة العزل أي غرفة الموت، حتى إنه كان يُدخل إلى هذه الغرفة سجناء تدهورت صحتهم فيموتون فيها بسرعة، لأن لا أحد يعتني بهم”.

ومن هذه الغرفة بدأت قصة الضابط السوري المُنشق عن النظام الذي تعود إليه تسمية قانون “قيصر” بعدما سرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل عام 2014، قتلوا تحت التعذيب في السجون السورية.

إلى ذلك، تابع عمر متحدثا عن تلك الأيام الظلماء، قائلاً “كانت مهمتي وضع رقم تسلسلي على أجساد السجناء الأموات في غرفة العزل ووضعهم في سيارة خاصة تمهيداً لنقلهم إلى مستشفى 601، حيث كانت كاميرا الضابط “قيصر” تنتظرهم لتصويرهم.

معتقلون لبنانيون

ومع صدور قانون قيصر، ينتظر اللبنانيون كشف مصير قضية 628 معتقلاً تم توثيق وجودهم في السجون السورية.

وعمل المواطن اللبناني نزار زكا المعتقل سابقاً في السجون الإيرانية وعضو فريق قانون “قيصر” على وضع قضية الرهائن والمساجين المفقودين على رأس لائحة الأولويات للقانون، وحثّ جميع أعضاء الفريق على اعتبار السجناء والمفقودين أولوية في تطبيق هذا القانون.

وفي السياق، أشار الشغري إلى “أن عدداً كبيراً من أهالي المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية تواصلوا معي بعدما علموا بقصتي وزوّدوني بصور أبنائهم من أجل تقديمها إلى فريق قيصر. حتى إن والدة معتقل لبناني أعطتني صورة لابنها المعتقل منذ أكثر من عشرين عاماً رسمتها بنفسها تتخيّل فيها شكله بعد آخر مرّة رأته فيها قبل أن يدخل سجون النظام السوري”.

سجناء “السخرة”

كما كشف “أنه في نهاية العام 2012، التقى بلبنانيين كانا من ضمن مساجين الطابق السادس في فرع 215، مسجونين منذ أكثر من 25 سنة، وكان يُطلق عليهما لقب “سجناء السخرة”، لأنهما كانا يقومان بأعمال يطلبها منهم السجّان نظراً لمدة اعتقالهم الطويلة بالمقارنة مع المعتقلين الآخرين. فهما كانا يقومان بتقديم الطعام للسجناء وإدخالهم إلى الحمّامات بالإضافة إلى تقديم خدمات عدة للسجّان مثل “التدليك” وتحضير الطعام، وهذه الأعمال كانت تمنحهم نوعاً من “الامتيازات” عن باقي السجناء الذين يتمنّون القيام بها، لأنها تُخفّف عنهم العذابات”.

وقال “إن الحكومة اللبنانية تتحمّل مسؤولية كبيرة في هذا المجال، لأنها لم تسأل عنهم”.

يشار إلى أن قانون “قيصر” يتضمّن فقرة أساسية تتحدّث عن السماح للمنظمات الدولية وجمعيات تُعنى بحقوق الإنسان بزيارة سجون النظام السوري وإعداد تقارير عن مشاهداتها.

أموات ومجهولو المصير

إلى ذلك خلص عمر قصته مع سجون النظام السوري بنظرة تشاؤمية حول مصير عدد كبير من المعتقلين، بالقول “الأخبار مش كوَيسة”، لأن برأيه من يمضي أكثر من أربع سنوات في سجون النظام من الصعب أن يخرج حيّاً، خصوصاً من اعتُقل من الفترة الممتدة من العام 2011 وحتى اليوم، لأن النظام السوري “استشرس” أكثر ضد السجناء الذين بغالبيتهم شاركوا في التظاهرات ضده”.

وأشار إلى “أن أكثر من 85% من المساجين إما أموات أو مجهولي المصير”.

عقوبات قيصر

أما عن قانون قيصر وتداعياته على النظام السوري ومن يدعمه، فأوضح عمر “أن حزمة عقوبات ضد مسؤولين سوريين ستصدر في 17 يونيو/حزيران الجاري، على أن تلحقها حزم أخرى تطال شخصيات وكيانات من دول أخرى تمتد حتى أغسطس/آب المقبل، ومفعول هذه العقوبات سيمتدّ لعشر سنوات مقبلة”.

كما أكد “أن لبنان سيكون في مرمى “قيصر”، لأنه بمثابة “الحديقة الخلفية” للنظام السوري، وتداعياته ستكون مؤثّرة على لبنان، خصوصاً حزب الله”.

وختم عمر بالتشديد على “أن قانون “قيصر” إنذار لكل الدول التي تتعامل مع النظام السوري وتدعمه”.