Site icon IMLebanon

«توجهان» في الإدارة الأميركية.. حيال لبنان

اتجهت الأنظار اللبنانية الى واشنطن في الساعات الماضية لتتبع تطور لافت في توقيته ودلالاته، ويفيد بأن هناك اتجاها أميركيا الى رفع درجة الضغوط والعقوبات على حزب الله لتشمل حلفاءه ، فبعد ساعات على تأكيد المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إيريكا تشوسانو أن بلادها «لن تتردد في مواصلة إدراج الأفراد والكيانات المتورطة في تمويل حزب الله وتوفير الدعم له بمن فيهم حلفاؤه المحليون»، جاءت توصية اللجنة «الجمهورية» لتكشف لأول مرة عن باكورة الأسماء المستهدفة على قوائم حلفاء الحزب في لبنان ومن بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والنائب جميل السيد ووزير الصحة السابق جميل جبق ووزير الخارجية الأسبق فوزي صلوخ.

صحيح أن توصية لجنة «الجمهورية» في الكونغرس لا تزال في دائرة «التوصيات»، بينما القرار النهائي في مسار الأمور على هذا الصعيد هو بيد الإدارة الأميركية وتحديدا وزارات الخارجية والخزانة والعدل.

ولكن ما ورد في التوصية الجمهورية «خطير وجدي»، خصوصا أنه يتزامن مع دخول المنطقة مرحلة تطبيقات «قانون قيصر» في 17 الجاري.

وأخطر ما في هذه التوصية هو طلب وقف المساعدات للجيش اللبناني ومنع صندوق النقد من تقديم مساعدات للبنان.. وهذه أول مرة تبرز فيها ملامح توجه أميركي الى إحداث تغيير في سياسة الدعم للجيش اللبناني، وهي سياسة ثابتة وتقليدية، وتظهر مؤشرات الى وجود توجهين سائدين في إدارة دونالد ترامب حيال لبنان ووجهتي نظر:

1 ـ الأولى يتمسك بها بعض المسؤولين في وزارة الخارجية وأبرزهم ديفيد هيل مساعد وزير الخارجية، وتبدي تفهما لتعقيدات الوضع اللبناني وضرورة معالجته بشيء من المرونة مع المحافظة على الأهداف السياسية المطلوبة، أي من خلال تجزئة المراحل ومراعاة التركيبة اللبنانية الهشة بطبيعتها.

ووجهة النظر هذه، غير البعيدة كثيرا عن وجهة النظر الفرنسية، تحافظ على ثوابت السياسة الأميركية لجهة دعم الجيش اللبناني بعدما أثبت جدارته وتعاونه في مكافحة الإرهاب، وتحييد المؤسسة العسكرية عن ملاحظاتها الكثيرة على الأوضاع والطبقة السياسية في لبنان.

أو لجهة إبقاء لبنان مركزا اقتصاديا مستقرا في الشرق الأوسط، على رغم الصعوبات التي تواجهه في مسيرته الاقتصادية.

2 ـ الثانية موجودة في «الأمن القومي والاستخبارات» تعكس سلبية المقاربة الأميركية للأوضاع اللبنانية، لأنها تتصل مباشرة بما تريده واشنطن من لبنان حيال مسألة حزب الله وإيران، والقرار فيها محسوم ولا يراعي الخصوصية اللبنانية إذ إن المطلوب من لبنان عدم توفير أي إمكانية لحزب الله كي يتمدد سياسيا وعسكريا في الأراضي اللبنانية لأنه في نظرها حزب «إرهابي» قررت محاربته وعزله سياسيا واقتصاديا، وقطع الإمدادات المالية عنه من خلال تجفيف مصادر تمويله.

وتلقي واشنطن في جانب من مسؤولية تمدد حزب الله على عدد من المسؤولين والسياسيين اللبنانيين.

وعندما يقال للأميركيين إن حزب الله مكون سياسي وشعبي داخل التركيبة السياسية والاجتماعية لأنه يمثل الطائفة الشيعية، يأتي الجواب بعدم الاقتناع إذ يميز الأميركيون بين الشيعة ومسلحي حزب الله.

وظهرت المعارك الداخلية في إدارة ترامب حول المساعدات الاقتصادية والعسكرية لبيروت الى العلن مؤخرا.

وأكدت مصادر أن تجميد الإدارة الأميركية للمساعدة العسكرية للجيش اللبناني، والتي تم الإفراج عنها في شهر ديسمبر 2019، جاء نتيجة لاعتراضات أنصار ترامب في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، الذين يخشون من أن تخدم المساعدات الأميركية حزب الله مباشرة وحلفائه في الحكومة اللبنانية.

وأعقب هذه الصراعات جدل في بيروت وواشنطن العاصمة، حول مستقبل مثل هذه السياسات، التي يقول معارضوها إنها ستشجع الحزب والإيرانيين في المنطقة.

الموقف الأميركي طرأت عليه ومنذ مطلع هذا العام تعديلات ومؤشرات جديدة نتيجة التغيير الذي طرأ على مسار المواجهة الأميركية ـ الإيرانية بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني وانخراط حزب الله في هذه المواجهة.

وهو ما عزز القناعة الأميركية بأن مراعاة الوضع الداخلي اللبناني ومقتضياته لم تعد ممكنة، وأن المساكنة القائمة بين حزب الله والقوى السياسية الحليفة لواشنطن تحت سقف حكومة واحدة لم يعد استمرارها ممكنا ومجديا وكان سقوطها واحدا من نتائج التطورات والتظاهرات الشعبية غير المسبوقة.. والاعتقاد السائد في بيروت أن واشنطن لن تمد يد المساعدة الى لبنان ماليا واقتصاديا، ولن تدفع وتشجع أيا من الدول المانحة الى تقديم مساعدات ما لم يلجأ لبنان الى خطط اقتصادية ومالية وإصلاحية واضحة، وما لم يعط أجوبة واضحة حول حزب الله وموقعه في المعادلة اللبنانية، وما لم تعمل حكومته على إبعاد لبنان عن نفوذ إيران الإقليمي في إطار سياسة النأي بالنفس.