كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
من يظن أن الكباش بين “حزب الله” وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد انتهى فهو مخطئ، لأن الصدام يتجدّد مع كل استحقاق متعلّق بالعقوبات الأميركية.
يتجه الواقع الإقتصادي نحو الإنحدار بسرعة، وترفض المنظومة الحاكمة الإعتراف بهذا الواقع المذري وتستمرّ بالتصرف وكأن شيئاً لم يحصل. ومن جهة ثانية، فإن تدهور العملة الوطنية مرتبط بكل السياسات المالية والإقتصادية وإستمرار التهريب والحصار والفساد وعدم رغبة الحكومة بمعالجة الوضع، وهذا الأمر يولّد الإهتزازات وما يحصل في الساعات الأخيرة دليل ساطع عن أن غياب الإستقرار المالي يهزّ الأمن ويخلق الإضطرابات.
وفي حين كان متوقعاً نزول الناس إلى الشارع بعد الإرتفاع الجنوني للدولار، إلا أنه برز دخول مناصري “حزب الله” على خطّ الثورة وقطعهم الطرق في الضاحية وجسر الرينغ، ومناداتهم بشعارات مغايرة للسبت الماضي وكأن أمراً ما يتحضّر.
وتكشف مصادر مصرفية ما حصل في الساعات الأخيرة وأدى في جزء منه إلى الإرتفاع الجنوني وغير المبرر لسعر الدولار. في الرواية المصرفية، أن الكباش بين “حزب الله” وسلامة لم تنته فصوله، فـ”الحزب” يضغط على المصرف المركزي والمصارف لتحقيق أمرين: الأول هو عدم تطبيق العقوبات الأميركية التي تصدر وآخرها قانون “قيصر”، والثاني هو ضخّ دولارات في السوق والإستمرار بدعم السلع الأساسية، وذلك من أجل تخفيف نقمة جمهوره أولاً، وثانياً لإستمرار التهريب إلى سوريا لأن النظام السوري بدأ يختنق، ولبنان هو الرئة التي يتنفس منها.
وفي هذا السياق، فإن سلامة لا يبدي تجاوباً مع مطالب “حزب الله” والمنظومة السياسية التي يرعاها، وما حصل يوم الأربعاء، وكشفته بعض التحقيقات والتحريات أن سعر صرف الدولار كان يتراوح عند الصرافين بين 3900 و4000، بينما كان معدله في السوق السوداء بين 4300 و4600، وفجأة قفز إلى الخمسة آلاف ليرة من ثم إلى 6 آلاف ليرة، وبات بلا سقف وسط رمي أرقام أثارت غضب الناس. وتوضح المصادر أن عمليات البيع والشراء في كل المناطق كانت تجري في السوق وخصوصاً السوق السوداء وفق السعر المتعارف عليه، وفجأة إرتفع سعره في الضاحية الجنوبية، وعندما يرتفع في منطقة سيرتفع تلقائياً في كل المناطق، وبالتالي يحجم المواطن عن البيع بسعر أقل مما وصل إليه في أي منطقة كانت.
وما هي إلا ساعات قليلة حتى لامس السعر في الضاحية 6 آلاف وفي البقاع 7 آلاف، وكل تلك المضاربة كانت من أجل تجميع الدولارات وإرسالها إلى سوريا، كذلك فإن الصرافين غير الشرعيين يشكّلون شبكات مترابطة، فإذا احتاج صرّاف في الضاحية مثلاً الى مليون دولار فإنه يتصل بمجموعة صرافين في الشمال والجنوب، من أجل جمعها لأن المواطن يتحمس للبيع بالسعر المرتفع، وهذا ما حصل، خصوصاً أنه يوجد تجار سوريون كبار يدعمون النظام ويملكون أمولاً كثيرة بالليرة اللبنانية، لذلك يعمدون إلى شراء الدولار بأي سعر كان، وهؤلاء تتمّ تغطيتهم من قوى الأمر الواقع.
ومن جهة ثانية، فإن إنفلات الشارع ليلاً كان في جزء منه مدروساً وفي جزء آخر عفوياً، إذ حاول جمهور “حزب الله” الدخول على خط التظاهرات وتوجيه السهام إلى حاكم مصرف لبنان والمصارف وخلق شغب، ولعب على الوتر السني وحاول استعطافه بسبب عدم رضاه على أداء الرئيس حسان دياب لأنه لا يمثّل السنة، وحاول إظهار المشهد على أن هناك إجماعاً وطنياً على تطيير سلامة وتحميله كل المسؤولية.
وتؤكّد المصادر أن من أدخل لبنان في صدام مع المجتمعين العربي والدولي يتحمّل جزءاً كبيراً مما وصل إليه الوضع اللبناني، فمن جهة يجلب العقوبات على لبنان ويفرض عليه الحصار ويمنع تدفق الأموال الخليجية والمساعدات الغربية، ومن جهة ثانية يغطي المهربين الذين يسرقون مازوت الشعب اللبناني وطحينه إلى سوريا، ويستنزف ما تبقّى من دولارات في المصرف المركزي.
مرّة جديدة يدخل “حزب الله” على خطّ الثورة ويحاول حرفها عن مسارها، فلو كانت النوايا صادقة لكانت مطالبة شباب الضاحية والخندق الغميق بوقف التهريب وضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، لأن هذا الفلتان يحرمهم مما هو حق لهم وتذهب الدولارات لتعويم النظام السوري.
في المقابل، فإن سلامة والمصارف يؤكدون إلتزامهم بما تفرضه المصلحة الوطنية في ما خصّ العقوبات الأميركية وقانون “قيصر”، وفي هذا الإطار تسأل المصادر المصرفية: إذا كانت بعض القوى السياسية تريد مواجهة قانون “قيصر” والعقوبات ومقتنعة بقدرتها على تنفيذ هذه الخطوة، فلماذا لا تقول هذا الأمر في الحكومة التي تخضع لسلطتها؟ عندها فليخرج قرار من الحكومة يقضي بمواجهة “قيصر” وعندها لكل حادث حديث. وإذا كانت لا تستطيع هذه القوى التي شكلت الحكومة فعل ذلك، فلماذا تريد تحميلها لـ”المركزي” والمصارف؟
ومرّة جديدة أيضاً لا تستطيع الطبقة الحاكمة إجراء تغيير جذري في حاكمية مصرف لبنان، وقد ظهر ذلك جلياً بعد إجتماع الرؤساء الثلاثة وكلام الرئيس نبيه برّي عن الحاجة لجهود سلامة، وتحذير البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الرئيس ميشال عون الذي زاره سريعاً، من مغبّة الإطاحة بسلامة.
وبعد الوعود بضخ دولارات في السوق، فإن التأكيدات المصرفية بأن هذا الضخ سيكون مدروساً وضمن أطر واضحة لئلا تُهرّب الدولارات أو يُحرم الشعب اللبناني منها، وبالتالي فإن هذا الإجراء سيكون من أجل الإستيراد ولن تعود الامور كما كانت قبل ويتفلّت الدولار في السوق، ولا يعرف أحد كيف يُهرّب إلى سوريا.
وينتظر الجميع يوم الإثنين لمعرفة فعالية الخطوات الجديدة وكيف ستنعكس على السوق، مع العلم أن الأمل ليس كبيراً وسيلاقي مصير الحلول السابقة.