هل ينزلق لبنان إلى الفوضى الأمنية، فيلتحق خطرُ فقدانِ السيطرة على الشارع الملتهب أو محاولة توجيه «عصْفه» وفق مقتضيات اللحظة الاقليمية المتفجّرة بالأزمة «المثلثة الرأس» المالية – الاقتصادية – السياسية التي تقبض على البلاد منذ أشهر؟
سؤالٌ أطلّ برأسه من خلف دخان الحرائق والمواجهات التي اندلعتْ في بيروت وطرابلس في «الليل العصيب»، من الاحتجاجاتِ الشعبية على وهج الارتفاع «الجنوني» لساعاتٍ في سعر صرف الدولار.
وتهيّبتْ أوساطٌ ديبلوماسية وسياسية، مشهدية التوترات المستجدّة في لبنان الذي يبدو أنه دَخَل في مدارِ «قانون قيصر»، مع بدء العدّ التنازلي لسريانه، وتأثيراته التي يُراد أن تكون «مُزَلْزلةً» للأرض التي تقف عليها طهران وحلفاؤها في سورية.
ورغم أحقيةِ الانتفاضةِ المتجدّدة بوجه الحكومة وانسحاقِ الليرة أمام الدولار ومعها الواقع المعيشي للبنانيين الذين بات 20 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر المدقعو40 في المئة منهم بمبلغ 8 دولارات في اليوم، فإنّ التباساتٍ عدة رافقتْ ما اعتبرتْه الأوساطُ السياسيةُ عبر «الراي» عملية «إغراقٍ» حصلتْ لـ«الثورة – 2» ابتداءً من الخميس، من مناصرين لـ«حزب الله» و«أمل»، في اندفاعةٍ حملتْ هدفاً معلناً «اختبأ» خلف شعاراتٍ أريد منها «محو» صورة «السبت الأسود» بـ«سقْطاته» المذهبية والطائفية الفاقعة، لتصويب الغضب الساطع في الشارع من الواقع المالي – الاقتصادي – الاجتماعي نحو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر تحميله مسؤولية مجمل السياسات النقدية التي ساهمت في تعثُّر الدولة والأهمّ الارتفاع «بلا سقف» في سعر صرف الدولار بتقنينه ضخّ ما تبقى من احتياطي لديه بالدولار في السوق لدعم الليرة.
ورأتْ الأوساط نفسها أنه لا يمكن قراءةُ «الهبّةِ الساخنة» على أنها حركة خارج «رقعة شطرنج» اللحظة المفصلية في المواجهة الأميركية – الإيرانية والتي يُعتبر «قيصر»، بمفاعيله التي تصيب شظاياها النظام السوري والمتعاونين معه وحلفاؤه، مسرحاً جديداً لها قد يكون الأكثر إيلاماً، مشيرة إلى أن «حزب الله» لا يمكن أن يقارب المعطى النوعي الذي يشكّله هذا القانون إلا من ضمن الرؤية الاستراتيجية التي يتعاطى من خلالها مع الوضع في «بلاد الأرز».
وبحسب الأوساط، فإن ما جرى في وسط بيروت من حرْق وتحطيم محلات تجارية وإضرام النار ببعضها، وصولاً إلى قرار سلامة بضخّ الدولار لتلبية حاجة الصرّافين الشرعيين وبما يضمن الوصول لسعر صرف 3200 ليرة للدولار الواحد، لا يَخْرج عن خيار «نغرق معاً او ننجو معاً» لأركان المحور الإيراني «ولو اقتضى ذلك جعْل لبنان خرطوشة في سلاح الردّ»، ومعتبرةً أن هذا المحور سيعتمد مجدداً لعبة شراء الوقت ريثما تمرّ الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لن يوفّر وسيلة للتدخل فيها «بما تيسر في ساحات النار».
واعتبرت أنه بعد إنجاز سلّة التعيينات المالية التي بات معها حاكم «المركزي» محاصَراً بأربعة نواب اختيروا من ضمن محاصصة بين الائتلاف الحاكم، وهي التعيينات التي تقاطعتْ المؤشرات عند أنها قوبلت بعدم رضا أميركي، جاء «مناخ الانقضاض» على سلامة ليكمل هذه «الرسالة» ولو تفادتْ السلطةُ، أقلّه حتى إشعار آخَر، «قطْع ورقة» لحاكم مصرف لبنان كان من شأنها في هذا التوقيت الاقليمي وفي غمرة المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي حيال برنامج تمويل إنقاذي للبنان أن «تحرق المراكب» في العلاقة مع واشنطن ومن ورائها المجتمع الدولي وتقضي على آخِر الآمال ببلوع تفاهُم مع الـIMF لا يُبْدي «حزب الله» أصلاً حماسة له.
وفي رأي الأوساط أن «حزب الله» وعبر البطاقة الصفراء التي رُفعت بوجه سلامة، والتي بدا رئيس الحكومة حسان دياب الأكثر استعجالاً لتحويلها «حمراء»، حقق جملة أهداف بينها تأكيد قدرته على تحريك أوراق القوة التي يملكها واستعداده للدفع بها في اتجاهاتٍ تصعيدية ربْطاً بمقتضيات التصدّي لـ«قيصر» ومحاولة استدراج استثناءٍ للبنان الرسمي من التزام موجباته أقلّه في ما خص حركة الترانزيت عبر سورية «المنْفذ» الوحيد البري للبنان إلى دول الجوار، وصولاً إلى نجاحه في جرّ «المركزي» لضخّ دولاراتٍ – بالكاد تكفي أصلاً لتغطية استيرد مواد استراتيجية للبنان (لنحو سنة ونصف السنة) – تتقاطع تقديرات الخبراء عند أنها لن تتمكن من لجْم ارتفاع الدولار إلا لفترة قصيرة، ولكنها ستزيد من عمليات تهريبه إلى سورية «دعماً لصمود النظام وتعطيلاً للعقوبات الأميركية الآتية».
ولم يحجب هذا البُعد من المشهد اللبناني وتوتراته التصاعُدية، الأنظار عن المخاطر المتدحرجة جراء الإمعان في استباحة وسط بيروت بأعمال شغب وتحطيم محلات تجارية وحرق فروع مصارف، وهو المشهد التخريبي الذي شهدت طرابلس أيضاً ليل الجمعة فصولاً شبيهة له، عادتْ وتجدّدت عصر أمس، مع مواجهاتٍ بين محتجين والجيش أدت إلى عشرات الجرحى وأعقبت محاولة اعتراض شاحنات محملة بمواد غذائية، اعتبر شبان غاضبون أنها مهرَّبة إلى سورية.
وفيما «حاولت» مجموعات من الانتفاضة، أمس، ترجمة «نفْض» الثورة يدها من عمليات التكسير والحرق عبر تظاهرة إلى وسط بيروت طالبت برحيل الحكومة، فإنّ التصويب على دراجات نارية قدِم على متنها مناصرون لـ«حزب الله» و«امل» على أنها قامت أو أشعلت فتيل التخريب في قلب العاصمة اللبنانية، سرعان ما اكتسب أبعاداً سياسية ومذهبية قوبلت بمخاوف من أن تشكل «فتيلاً» توتيرياً يمكن أن يفلت من أيدي الجميع.