كتبت أنديرا مطر في “القبس”:
“انهيار لبنان على بعد أسابيع”… وفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية فالليرة اللبنانية إلى مزيد من التدهور مقابل سعر صرف الدولار المتفلّت من كل الضوابط، وفي غضون ثلاثة أشهر، أي في سبتمبر المقبل قد يصل عدد العاطلين من العمل الى مليون لبناني، في وقت تتواصل الاحتجاجات في مختلف المناطق نتيجة تردّي الأوضاع المعيشية مع تصاعد في منسوب الشغب الى حد تحطيم وإحراق الممتلكات العامة والخاصة في وسط بيروت التجاري.
ورأت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن التظاهرات الأخيرة جاءت بطريقة “عفوية” وغير منسقة، بعد أن شاهد اللبنانيون فشل الحكومة مراراً في تنفيذ الإصلاحات، في حين انخفضت قيمة رواتبهم ومدخراتهم، مشيرة إلى أن جام غضب اللبنانيين ينصب على البنوك. وقالت الصحيفة إن تدهور سعر صرف الليرة دمّر القوى الشرائية للكثير من اللبنانيين، في حين تتوقفت شركات ومؤسسات عدة عن تسليم البضائع خشية تسجيل الليرة انهياراً إضافيا، ما ينعكس خسارة في رؤوس أموال الشركات.
وكانت تقارير وأبحاث دولية قدرت أن نحو مليون لبناني سيصبحون بلا أعمال ورواتب في النصف الثاني من السنة الجارية، تزامناً مع ارتفاع حاد في أسعار الغذاء. كما أن العزل المفروض منذ 15 آذار لمكافحة فيروس كورونا سرَّع وتيرة هذا المنحدر الهابط. فمع حرمان الشركات والأعمال من الائتمان وانهيار الطلب، فقد 20 في المئة من القوة العاملة وظائفهم قبل الجائحة. ومع انتهاء العزل تدريجياً في البلد سيجد عدد أكبر من الموظفين، الذين سُرّحوا مؤقتاً من أعمالهم من دون رواتب، أن شركاتهم لا تزال مغلقة، وأن وظائفهم ذهبت في مهب الريح.
وطمأن رئيس الحكومة حسان دياب بالأمس أن حكومته باقية، في حين يبدو ان الانهيار المالي “باقٍ ويتمدد”، طالما ان القوى الحاكمة تتمنع عن اجراء اصلاحات جذرية (مكافحة الفساد، وقف التهريب وإصلاح الكهرباء)، وتستعيض عنها بتشكيل لجان وبقرارات حبر على ورق. وآخر القرارات الحكومية، هو التوافق مع مصرف لبنان، على البدء بضخ دولارات في السوق، اعتباراً من يوم الاثنين لمواجهة التدهور غير المسبوق في سعر الليرة، إضافة إلى تشكيل خلية أزمة برئاسة وزير المالية لمتابعة التطورات. علما بأن احتياطي المصرف المركزي، وفق سلامة نفسه، لا يتعدى 20 مليار دولار (في حين تقدره وكالة فيتش بـ5 مليارات قابلة للاستخدام فقط)، وهو مبلغ لن يكفي لمدة طويلة، في حال استمر ضخ الدولارات بوتيرة متزايدة، خصوصاً أنّ المصرف المركزي يتولّى في الوقت عينه عمليات دعم بمئات ملايين الدولارات، للمواد الحيوية، كالمازوت والقمح والأدوية والمواد الغذائية.
وفي أسطع برهان على تخبّط وعشوائية الحكومة في تعاملها مع أزمة غير مسبوقة في لبنان، قررت الحكومة “مخاطبة صندوق النقد الدولي بلغة واحدة”، أي إلى توحيد أرقام الخسائر المالية بين خطة الحكومة وخطة جمعية المصارف؛ وذلك بعد 13 اجتماعاً بين وفد الحكومة اللبنانية وصندوق النقد. رهان على الوقت بعض الخبراء الاقتصاديين يعتبرون ان الحكومة تراهن على الوقت بانتظار بشرى ما من صندوق النقد الدولي، او بانتظار تغيّرات في السياسة الأميركية، لكنها تراوح في مأزقها، اما عملية ضخ الدولارات فهي ابرة مخدرة، سيزول مفعولها بعد وقت قصير، ليسوء الوضع بعدها أكثر فأكثر، علما بأن هذه العملية سيستفيد منها حزب الله عن طريق التجار الذين يدورون في فلكه؛ إذ إنهم يحصلون على الدولارات من “المركزي” ثم يتم ضخها في أسواق الضاحية لتتجه بعدها بطريقة منظمة إلى جيوب “حزب الله” او الى سوريا. في حين ان لبنان تحت مجهر المراقبة، وعلى بعد يومين من عقوبات قانون قيصر الأميركي.
وحذرت جهات دولية ومحلية من انحدار الأمور الى فوضى واضطرابات. وفق تقرير مجموعة الازمات الدولية الأخير فإنه “في حال تحوّلت الاحتجاجات الاجتماعية إلى اضطرابات جياع، فستعجز قوات الأمن التي تتلقى رواتبها بعملة تتضاءل قيمتها على نحوٍ متزايد، عن السيطرة على الوضع، ومن المستبعد أن تتمكن من ذلك. قد يكون التدهور المتسارع للخدمات العامة، مثل الصحة والتعليم والكهرباء، على بُعد أسابيع فقط”. وفي هذا الاطار، يحذر مدير مشروع لبنان وسوريا والعراق في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمين من معارضة الولايات المتحدة مساعدة لبنان، بحجة ان “حزب الله” المصنف إرهابيا هو أحد مكوّنات الحكومة فسيكون ذلك خطأ كبيرا. فمن شأن فشل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي ـ وهو ما قد يثني أيضاً الكثير من المتبرعين الدوليين عن تقديم المساعدة بأنفسهم ـ أن يكون كارثياً. ووفق ويمين، يحتاج لبنان دعما خارجيا فوريا لمنع مؤسساته من التداعي ولتجنيبه أزمة إنسانية طاحنة.