بعدما “ضرب مَن ضرب وهرب مَن هرب” ما الذي سيخرج به اليوم المجلس الأعلى للدفاع خلال اجتماعه في قصر بعبدا للتداول في التطورات الأمنية؟ الأرجح لا شيء يُذكر خارج ما هو مألوف من تلويح فولكلوري بالضرب بيد من حديد لكل من تسوّل له نفسه المس بالاستقرار العام. المشكلة ليست في المجلس ولا في كفاءة الأجهزة العسكرية والأمنية الرسمية ولا في قدرتها على بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية، المشكلة، كل المشكلة، هي في هذه السلطة التي لم تترك شبراً على مساحة كينونة الدولة ومؤسساتها إلا وطوّبته باسمها ودمغته بوسم “التبعية” لأجندة سياسية تعمل على تطويق السطوة الشرعية على البلد لصالح إطلاق العنان للسطوة الميليشيوية كي تتمدد بكافة صورها وأشكالها على أرضية الدولة.
“إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت”، هذا هو واقع ولاة الأمر في لبنان، سواءً في الميدان المؤسساتي كتوقيت ساعة انعقاد مجلس الوزراء على ساعة ميلاد أحد المطلوب تعيينهم عشية بلوغه السن القانوني المانع لهذا التعيين، أو في الميدان الأمني كفرض تنازل الدولة عن دورها في حماية الشعب والممتلكات العامة والخاصة لصالح ابتداع معادلة “الميليشيات في خدمة الشعب” التي كرّستها السلطة خلال اليومين الأخيرين من خلال رضوخها المهين لمعيار “الأمن الذاتي” عبر سماحها بتشكيل مجموعات أمنية غير رسمية على الأرض مهمتها منع “الزعران” من الاعتداء على الناس وممتلكاتهم. ولأنّ الدولة شرعنت سطوة قوى الأمر الواقع على الأرض، لن يتلهف الكثير من اللبنانيين اليوم لتلقف ما سيخرج به المجلس الأعلى للدفاع من مقررات تقيهم شرّ الاعتداء والكسر والحرق والخلع، بل سيؤثرون الانتظار حتى الغد لمعرفة مجريات عمليات ضبط الأمن وتعزيز الاستقرار في بيروت من الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، باعتبارها مهمة بدت منوطة، بتوكيل رسمي من الدولة، بجهاز “انضباط الحزب” الذي انتشرت عناصره بزيهم الحزبي على عدة محاور في شوارع العاصمة خلال نهاية الأسبوع لمنع غارات الاعتداء الممنهج على الأرواح والأرزاق… فعلى من يقرأ مزاميره البطريرك الماروني بشارة الراعي بمطالبته الدولة “التصدي بحزم للمخربين والحد من شرورهم”؟ وهو نفسه الذي أكد أنّ “الدولة شبه معدومة والثقة بأداء المؤسسات ضعيفة”، ليكون التوجه أجدى مباشرةً إلى من “يتسترون وراء المخربين” بدعوتهم إلى الكفّ عن “دس متظاهرين ليليين مشبوهين كلفوهم الاعتداء على المؤسسات والمحال التجارية وأملاك الغير وجنى عمرهم وتشويه وجه العاصمة لعلهم يضربون الثورة الوطنية”.