ليس في لبنان ما يدعو الى الاطمئنان، ولا فتات أمل بإنقاذ او بتغيير نحو الافضل. مجمل المعطيات والعوامل المتجمّعة في الافقين المحلي والخارجي لا تشي الا بالسيء والاسوأ. الوضع البالغ التأزم اقتصاديا وماليا وسياسيا واجتماعيا والانهيارات المتتالية لكل القطاعات التي ترفد البلاد عادة بما تبقى من جرعات في قعر انبوب الاوكسيجين تؤكد المؤكد. والانكى ان الازمات المتراكمة لا تقف عند حد، اذ يُضاف اليها كل يوم جديد يبعث على المزيد من القلق.
هذا الجديد الذي يكاد يفوق خطورة كل الازمات يتمثل في بدء اللعب على الوتر الامني وبروز ملامح سخونة يُخشى اذا لم تسارع القوى السياسية والحزبية المسؤولة في الجانب الاكبر عن الانزلاق اليها ان تؤدي الى انفجار ضخم، ربما يسعى اليه بعض الخارج لقلب المشهد وتبديل التوازنات المتحكمة بالساحة اللبنانية راهنا، وبعض الداخل عن غير قصد على الارجح من دون تقدير ما قد تقود اليه مثل هذه الممارسات الفتنوية الخطيرة التي باعتقادهم تحقق اهدافا محلية ضيقة.
واذا كانت الأمم المتحدة نفت ما اعتبرته تكهنات لا أساس لها عن ابلاغ موظفيها الدوليين لتحضير اوراقهم استعدادا للسفر، مؤكدة أنها لا تخطط لوقف عملياتها أو لإجلاء موظفيها من لبنان، فإن مجرد رمي اخبار مماثلة في سوق التداول السياسي والامني اللبناني، يحمل ما يكفي من التبريرات للاحتياط من اهداف مطلقي هذه المعلومات وما يرمون اليه من خلف خلق اجواء بلبلة امنية تحضيرا لشيء ما يجري اعداده في الغرف السوداء المغلقة. وتتخذ المسألة بعداً أخطر كما تقول اوساط سياسية مطلعة لـ”المركزية” اذا ما تم عطفها الى دعوة السفارة الاميركية للرعايا الاميركيين الى مغادرة لبنان قبل 19 الجاري، على رغم عدم اتضاح اهداف الدعوة، وما اذا كانت على ارتباط بقانون قيصر الذي يدخل بعد غد حيز التنفيذ ويزيد الوضعين المالي والاجتماعي واستتباعا الامني، تدهورا ام ان ثمة معطيات تحتم على واشنطن سحب رعاياها نتيجة قرار كبير بحسم الاوضاع نهائيا في سوريا ولبنان قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية، وتسديد ضربة للاطراف المتورطين في الصراع الاقليمي ومن يدعمهم من السياسيين، ليس حتما من خلال حرب انما بأسلوب “الفوضى الخلاقة” وما يؤدي اليه من تغيير في المعادلات الحالية.
وتلفت الاوساط في السياق الى ان الفوضى لن تكون من جهة واحدة، انما من اكثر من ضفة ومقلب، بين حوادث شغب ترتكب باسم الثورة المحقّة، وبين اعمال ارهابية على غرار ما تضمنته الوثيقة الامنية المنشورة اليوم عن احتمال قيام مجموعة ارهابية بتنفيذ اعتداء ارهابي اليوم في مطار رفيق الحريري عبر تسلل اشخاص من جهة البحر لتنفيذ اعمال تفجير وتخريب في محيط وداخل وخارج حرم المطار، وبين تأليب مجموعات على بعضها البعض بشحنها مذهبيا وطائفيا وحمل الاحزاب على العودة الى منطق الامن الذاتي.
لا تخفي مصادر امنية مدى قلقها من مخططات كهذه ما دامت الاجواء السياسية تهيئ الارضية لسيناريوهات مشابهة، من دون ان تعير اهتماما لما قد تؤول اليه اوضاع البلاد. وتقول لـ”المركزية” لا مسؤول امنياً مهما علا شانه يمكن ان يقدر الى اين يتدحرج الوضع الامني ما دامت الحلول الاقتصادية والاجتماعية والمالية غائبة، واذ تؤكد ان الجهات الامنية والعسكرية تبذل قصارى جهدها لمنع الانزلاق الى التدهور الامني، تدعو السياسيين الى التعقل والالتقاء على مصلحة البلاد اولا والاستنفار لمواجهة هدف واحد انقاذ الوطن من الانهيار، على غرار استنفارهم لصد جائحة كورونا، لان خلاف ذلك يبقي الاوضاع مفتوحة على شتى الاحتمالات، والمشهد سوداوي من دون شك.