IMLebanon

مشقّة كشف جرائم معتقلات دمشق

كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:

بينما يستمر نظام دمشق في سياسة الإنكار التي اتبعها منذ تسعة أعوام، تتوجه الأنظار صباح الأربعاء، تاريخ سريان قانون “قيصر”، صوب سوريا، حيث سيشهد العالم اندلاع الحرب الإقتصادية على النظام وأزلامه والمتعاونين معه، وبداية انطلاقة الحل السياسي في المنطقة. ليغدو هذا القانون عشية تنفيذه، ورقة ضغط بيد واشنطن ضد التفرد الروسي وللمشاركة في رسم المستقبل السوري واللبناني معاً… كونه يهدف في مضمونه الواسع إلى سحق اثنين من الداعمين الرئيسيين للنظام، إيران و”حزب الله”.

“ما ضاع حق وراءه مطالب” بهذه الكلمات لخّص معاذ مصطفى لـ”نداء الوطن” المشقّة التي مر بها “قيصر” وفريقه لإقرار القانون. فهو المدير التنفيذي لفريق عمل الطوارئ السورية في الولايات المتحدة، والذي يراه البعض “اليد اليمنى” لـ”قيصر” وأحد رجال الظل الذين عملوا وراء الكواليس في الكونغرس الأميركي مع فريق من الاختصاصيين لصياغة القانون الشهير. ويتابع شارحاً: “قيصر” هو اسم مستعار “للشاهد الملك” على جرائم نظام الأسد، إذ أنه قد وثّق بالتعاون مع صديقنا “سامي” 5% من جرائم النظام السوري ضد المدنيين. لِمَ أقول 5% فقط؟ لأن كل ما تم توثيقه من 55 ألف صورة فوتوغرافية تظهر وحشية النظام فقط بين 2011 و2013 وفي منطقة واحدة بالتحديد، فما بالك بما حدث في المناطق الأخرى، والسنوات التالية؟”.

أكمل مصطفى: “قبل أن يهاجر “قيصر” من سوريا العام 2013، كان ضابطاً في الشرطة العسكرية السورية وطُلب منه تصوير وتوثيق حوادث معينة وحالات وفاة مع اندلاع الثورة، وفي أول مهمة له صوّر 15 جثة في مشفى 601 العسكري في منطقة المزة ولاحظ آثار تعذيب شديدة على الجثث واقتلاعاً للعيون وتشويهاً للأعضاء التناسلية وتقطيعاً للجثث، فكان شاهداً على الإجرام ويمتلك قدرة التصوير والتوثيق، وقرر بمساعدة صديقه “سامي” الاحتفاظ بنسخات عالية الدقة عن كل ما يصوره إلى أن اضطرا إلى مغادرة دمشق في آب 2013 وبحوزتهما 55 ألف صورة ودليل ضد الأسد وما اقترفه منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة، وحتى قبل تأزم الأوضاع، وعليه، لا حجة أبداً تبرئ هذا النظام من جرائمه ضد المدنيين”.

“قيصر” بجاكيتته الزرقاء الشهيرة أمام لجنة العلاقات الخارجية
وعن بداية العمل على مشروع قانون قيصر يقول مصطفى: “شكلنا أولاً فريقاً صغيراً فور خروج سامي وقيصر من سوريا، بعدها انضمت إلينا منظمات سورية في الولايات المتحدة الأميركية والسفير الأميركي السابق للجرائم ضد الإنسانية، ستيفن راب، وآخرون في غرب أوروبا. وكانت رحلة السبع سنوات لإقرار القانون، محفوفةً بالمخاطر والمعوقات، إذ أن إدارة أوباما حينها، كانت تعرقل فريقنا من الوصول إلى نقطة عرض شهادة “قيصر” أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي وكان هناك تعمد لتأخير إعطائنا تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة إلى وقت لا تنعقد فيه جلسات مجلس النواب، وبالتالي عدم إمكانية تقديم الشهادة، إلى حد اضطررنا أن نتحايل للحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة في الوقت المناسب زاعمين أن “قيصر” يريد عرض الوثائق التي بحوزته على الـ FBI فقط”.

وأردف مصطفى: “كانت الساعة التاسعة تماماً من يوم 31 تموز 2014، عندما دخل “قيصر” متخفياً ولابساً جاكيتته الزرقاء الشهيرة إلى جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ولربما كانت المرة الأولى التي يدخل فيها شاهداً متخفّياً. لحظة دخوله القاعة كانت نقطة البداية الحقيقية، إذ باغتنا الجميع، ديمقراطيين وجمهوريين بعرضنا للـ 55 ألف صورة التي كانت دليلاً دامغاً على جرائم الحرب المرتكبة ضد الإنسانية ووحشية النظام. كما أذكر وجوههم المصعوقة بهول ما رأوا”. مبيّناً أن السبب الرئيسي لتأخر إقرار قانون قيصر منذ ذلك الحين يعود لمعارضة السيناتور راند بول من ولاية كنتاكي للقانون “وحده”. إذ كان مجلس النواب الأميركي قد صوت منذ العام 2016 ثلاث مرات لصالح القانون، لكنه كان يتعطل في مجلس الشيوخ. لذا عمل الفريق على استراتيجية تقوم على “إرفاق قانون قيصر بقانون يجب تمريره، هو قانون ميزانية الدفاع، لضمان عدم تمكن السيناتور بول، أو أي عضو آخر في مجلس الشيوخ، من إعاقته” وبذلك تم إقرار القانون.

كوّة أمل للمعتقلين اللبنانيين

وفي حديث هاتفي مع المعتقل السابق في السجون السورية، عمر الشغري، والذي قضى ثلاث سنوات في سجون الأسد قبل أن يشارك في فريق عمل قيصر، يقول لـ”نداء الوطن” إنه كان معه في نفس السجن، ولكن في طابق مختلف، وهناك عدد كبير من مختلف الجنسيات العربية منهم لبنانيون وتونسيون وجزائريون.

كما أوضح “أنه في نهاية العام 2012، التقى لبنانيين كانا من ضمن مساجين الطابق السادس في فرع 215، معتقلَين منذ أكثر من 25 سنة حينها كانا في عمر الأربعين وكان يُطلق عليهما لقب “سجناء السخرة”، لأنهما كانا يقومان بأعمال سخرة مقابل عدم تعذيبهما ويحضران الطعام ويدخلان المساجين إلى الحمام.

ويتابع الشغري: “يضغط قانون قيصر بالدرجة الأولى على النظام وعلى الدول الداعمة له لإطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين الذين يرفض النظام إطلاق سراحهم وتبيان مصير المفقودين والأسرى والمغيبين، كما يضع شروطاً لرفع العقوبات أو تعليقها، تتضمن حرفياً “إطلاق سراح كل المعتقلين سواء كانوا سوريين أو من جنسيات أخرى” ومن هنا تأتي أهمية هذا القانون للبنان حيث قد يكشف عن مصير أبنائه المفقودين ومنهم جنود لبنانيون ناصروا حكومة الرئيس الحالي ميشال عون حينها ويقبعون في سجون الأسد حتى الساعة. لذا ندعو في “فريق سوريا للطوارئ” اللبنانيين بخاصة منهم أمهات المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، الى التظاهر والضغط لإستعادة ابنائهن، والتوجه إلى الرئاستين الأولى والثالثة من أجل تبني الموضوع ووضعه في سلم الأولويات لدى كل اللبنانيين بخاصة مع بدء تنفيذ قانون قيصر وهي فرصة ذهبية اليوم للبنان لمعرفة مصير أبنائه بعد سنوات عدة من الإنتظار”.

ويكمل: “يتصل بي يومياً عدد كبير من أمهات المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية بخاصة من هنّ على علم بقصتي ويرسلن صور أبنائهن في عمر يافع ليسألني عما إذا رأيت أولادهن. كما أن إحداهن، ارسلت لي صورة ابنها الذي اختفى عند عمر العشرين بعد تعديل صورته على تطبيق “فايس آب” الذي يعدل الصورة ويريك كيف سيكون شكلك بعد سنوات”. ويختم “حان الوقت لمعرفة مصير أهلنا وأهلكم”.

نهاية دور “حزب الله

أحيت هتافات المتظاهرين في محافظة السويداء ودرعا وإدلب ودير الزور الذاكرة المرعبة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال الأيام المتواصلة الماضية، إذ عاد الشعب إلى نقطة البداية مع ثورةٍ شعبية جديدة ترفض حكمه الجائر وترحب “بقانون قيصر والعقوبات الأميركية” رغم ضائقتهم الإقتصادية، أما تداعيات قيصر فستمتد عبر بيروت.

الخطوة الأولى لتحقيق العدالة

ويقول “أسعد حنا”، العضو الآخر في فريقي “سوريا للطوارئ” و”قيصر” لـ”نداء الوطن”: إن قيصر سيكون الخطوة الأولى لتحقيق العدالة لضحايا نظام الأسد فهو الرادع الأول لمصادر الأموال التي تقدم الدعم للنظام السوري، ويعاقب المذنبين اقتصادياً وبشكل فوري وسريع التداعيات، ويحمي المدنيين ما إن يدخل حيز التنفيذ وفيه رفع للعقوبات مرهون بتغيير سلوك النظام. وأكد حنا أنه سيكون هناك تجاوب عالمي مع القانون “والدليل أنه خلال الأسبوع الماضي، أقفلت حوالى سبعة فروع لمصارف خارجية”.

وعلى عكس العقوبات السابقة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مسبقاً، يستهدف “قيصر” مؤيدي النظام خارج سوريا خاصة فريق 8 آذار الذي حافظ على روابط اقتصادية مع دمشق سواء عبر شركات وهمية، أو عبر الحفاظ على الأموال المهربة والمنهوبة من سوريا والموضوعة في بعض المصارف اللبنانية.

ويشير محمد العبد الله، رئيس المركز السوري للعدالة والمساءلة لـ”نداء الوطن” الى أنه فيما “تعتبر عقوبات “قيصر” ذكية وتستهدف الدائرة الصغرى لداعمي الأسد وأطرافاً معينة كـ”حزب الله” وشخصيات سياسية بحد ذاتها بسبب سلوكها، إلا أنها يمكنها أن تؤثر على المدنيين في سوريا ولبنان بشكل كبير.

وفي السياق ذاته، شرح ستيفن راب سفير الولايات المتحدة السابق لجرائم الحرب، الذي عمل أيضاً مستشاراً للجنة العدل والمساءلة الدولية لـ”نداء الوطن” أن “الكم الهائل مما جُمع من أدلة دامغة ضد النظام السوري لم يوثق منذ جرائم النازيين” واصفاً نظام الأسد بأنه “النظام الأكثر قمعاً خارج كوريا الشمالية”.

مناورة روسية

بدأت اللقاءات والاتصالات الأميركية – الروسية التي تجرى لصياغة “مقاربة تدريجية” للحل في سوريا وبناء حجر الأساس “للتسوية السياسية” المرتقبة، يحاول فيها “القيصر بوتين” احتواء الأضرار المتوقعة لقانون “قيصر سوريا” والإلتفاف على مفاعيله.

فالقانون يفرض عقوبات اقتصادية على كل شخص، أو شركة، يثبت تعامله أو تعاملها مع النظام في مجالات البترول والبناء والمجالات العسكرية. ما يعني أن الشركات الروسية العاملة في سوريا، ستكون من ضمن المعاقبين ما سيزيد الضغط الاقتصادي على روسيا التي تواجه عقوبات أوروبية وأميركية بسبب دعمها للانفصاليين في أوكرانيا.

وبعد أن نصّبت روسيا نفسها وكيلاً عن نظام الأسد الصّوري أمام المجتمع الدولي، عبر تعيين مبعوث خاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دمشق، يتولى مهمة سد الفراغ القراراتي لبشار الأسد، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، في ندوة عبر الفيديو نظمها “مجلس العلاقات الخارجية” في نيويورك الثلثاء الماضي، أنّ موسكو “مستعدة للدخول فوراً بحوار موسع مع الولايات المتحدة حول جميع الملفات السورية”.

كما أشار بيان نشرته وزارة الخارجية الروسية الى أنّ نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، أجرى مباحثات هاتفية، مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري حول “تسوية الأزمة السورية”. وجاء في البيان أنّ الطرفين بحثا “بشكل مفصل عملية التسوية السياسية للأزمة السورية بالتوافق مع القرار 2254 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” ما يفتح باباً أمام الحل.