كتب د. نسيب حطيط في “نداء الوطن”:
يعيش لبنان، في الذكرى الثامنة والثلاثين للإجتياح الإسرائيلي في العام 1982، إرهاصات المرحلة التي أعقبت توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” بين مصر وإسرائيل، وتُوّجت بمشروع إنقاذ إسرائيل من المقاومة الفلسطينية في لبنان، لإنهاء مرحلة الصراع المُسلّح بين العرب وإسرائيل، وبدء مرحلة الإتفاقيات والتطبيع والتوطين.
لقد أُخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان وتمّ نفيها وتشتيتها، مُقدّمة لتدجينها في اتفاقية “أوسلو” التي أعطت الفلسطينيين سلطة وهمية، وسلبتهم حلم “الدولة” وحلم “العودة”. واعتقدت إسرائيل أنّ الحرب قد انتهت، وان السلاح ليس وسيلة للدفاع عن الكيان الصهيوني، بل الإتفاقيات مع العرب والمسلمين، والسيطرة الناعمة على المنطقة وثرواتها. لكنّ حسابات الميدان الإسرائيلي – الأميركي لم تتوافق مع البيدر اللبناني، خصوصاً نتيجة حدثين استراتيجيين في المنطقة، يتمثّلان بانتصار الثورة الإسلامية في ايران، وبدء المقاومة اللبنانية المسلّحة في الجنوب، بمنهج وسلوك مُغاير لما كانت عليه المقاومة الفلسطينية، لأن أبناء الأرض يُقاتلون لتحرير أرضهم، وليس ثوّار المقاولات السياسية والمُقايضات والحوَل السياسي لحكم لبنان الذي انزلقت اليه المقاومة الفلسطينية، واستُدرجت اليه أيضاً عبر الحرب الأهلية العام 1976.
على مشارف “صفقة القرن”، يعود لبنان ليكون ساحة الصراع الرئيسة بين المشروع الأميركي والمشروع الرافض لإنهاء القضية الفلسطينية وتذويبها، خصوصاً وأنّ القوة المُسلّحة والمقاومة في لبنان تُمثّل التهديد الوجودي الأساسي للكيان الصهيوني، والقوة المباشرة والحقيقية على الحدود مع فلسطين المحتلة، والبوابة الرئيسة لمحور مناهضة المشروع الأميركي. وبالتالي، لا بد من إزاحة هذه العقبة الرئيسة والمؤثّرة من طريق تنفيذ صفقة القرن، وما تستوجبه من قضايا مُتلازمة معها، وفي مقدّمها التوطين الذي لم يَغِب يوماً عن خطط الإدارة الأميركية لتسوية قضية الشرق الأوسط منذ العام 1978، تاريخ أول اجتياح إسرائيلي للبنان، وبعد أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل العام 1978.
إنّ فشل الربيع العربي على مستوى الأهداف الحقيقية، وفي مقدّمها إسقاط سوريا، وبسبب الدور الذي لعبته المقاومة على الصعيد الإقليمي وخصوصاً في سوريا، وبسبب العجز الميداني والعسكري الإسرائيلي عن حسم معركة السلاح في لبنان، لجأت الإدارة الأميركية الى سلاح الحصار المالي والإقتصادي للبنان بهدف إسقاط المقاومة، أو مُقايضة السلاح بالدين العام او رفع الحصار، بالإضافة الى هدف استراتيجي يتمثّل بإعادة الإمساك بالساحة اللبنانية، لأن سقوط لبنان بيد القوى المُناهضة لأميركا في ظروف صعبة تتعرّض فيها القوة الأميركية للتصحّر، أو على الأقلّ عدم حرية التحرّك أو القرار الأحادي، كما يجري في العراق اليوم.
سيكون لبنان ساحة اشتباك إيراني- أميركي بإمتياز، بالتلازم مع الساحات السورية والعراقية واليمنية، مع تميّز الساحة اللبنانية بعدم وجود شركاء لكلا قادة الصراع. فالمواجهة مُباشرة، وإن تمّ تعزيزها ببعض الأدوات المحلية أو الإقليمية، لكن المواجهة تأخذ طابع الإشتباك المُباشر، بالتلازم مع التفاوض المباشر أو غير المباشر، عبر تبادل السجناء بين أميركا وايران، أو التفاوض الهادئ عبر الحكومة العراقية لتنظيم إنسحاب القوات الأميركية من العراق، وِفق اتفاقيات رسمية، وليس تحت نار المقاومة العراقية.
الحصار الأميركي للبنان سيتطوّر ويتوسّع حتى تاريخ الإنتخابات الأميركية، ويُمكن أن يشمل أطرافاً لبنانية مُتّهمة بالتحالف مع “حزب الله”، ويُمكن أن يشمل الحكومة اللبنانية بشكل مباشر أو غير مباشر.. حيث تفترض أميركا أنها ستُحقّق أهدافها بنزع السلاح وإراحة إسرائيل، أو فرض التوطين أو الفيدرالية، حتى ولو على حساب المسيحيين. ويُمكن أن تلجأ للعمل الأمني أو الفوضى المُنظّمة مع بعض اللقاحات الإسرائيلية التي لا تؤدّي الى الحرب الشاملة.
الخطط الأميركية أضغاث أحلام، ومن يُراهن من اللبنانيين عليها سيخسر، كما خسِر الذين راهنوا على الإجتياح الإسرائيلي العام 1982 ولم يُحقّقوا شيئاً، بل خسروا جزءاً ممّا كان بين أيديهم.
نداؤنا الى إخوتنا في لبنان، إننا محكومون بالعيش المشترك ولا بدّ من وحدتنا، ومن يستدرج الحصار أو هبوط سعر الليرة لمُعاقبة اهل المقاومة، سيكون من الخاسرين لأننا في مركب واحد اسمه لبنان… لنُنقِذه جميعاً.