IMLebanon

التهريب… هروبٌ من “قيصر”

قبل أيام من بدء تطبيق قانون “قيصر” في سوريا، ارتفع الدولار في لبنان على نحو هستيري. هذا الارتفاع يعود بحسب عدد من الاقتصاديين الى سببين: الأول داخلي وقد اعتاد لبنان عليه منذ ما بعد الثورة التشرينية، فيما الثاني وهو الأخطر خارجي ويتمثل بزيادة الطلب السوري على العملة الأميركية. فالاقتصاد السوري كما اللبناني قائم على الاستيراد، الامر الذي يستوجب تأمين عملة خضراء بشكل دوريّ. تسعى سوريا الى تكوين احتياطي نقدي لمواجهة تداعيات العقوبات الأميركية عليها مرتكزة الى احتياطي النظام المصرفي اللبناني، او بالأحرى ما تبقى منه إن عبر سحب الأوراق الخضراء او من خلال شفط المواد والسلع المدعومة، تحديداً، الطحين والدواء والمازوت ليستفيد كارتيلات التهريب على انواعه.

يتّخذ التهريب اذاً اكثر من شكل. بدءاً بتهريب الكتلة النقدية المباشر الى النظام السوري مروراً بالعمليات التجارية التي يقوم بها التجار السوريون مع أطراف لبنانية، وصولاً الى اموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية والتي يتخطى مجموعها الـ7 مليارات ليرة، وهم يقومون بسحب ودائعهم بالليرة فيحولونها الى دولارات ويرسلونها الى بلدهم. الى ذلك هناك من يقومون بشراء مواد من السوق اللبنانية لاعادة بيعها في سوريا، والدليل على ذلك ارتفاع سعر الدولار في المناطق البقاعية تحديداً لتعود وتنتشر في بقية المناطق اللبنانية. يشبه ذلك أمر عمليات الى صرافي السوق السوداء لشراء الدولار مهما بلغ سعره، وبذلك تبدأ عملية لمّ الدولار من السوق ويرتفع سعر الصرف على نحو هستيري.

أمس، أعلن رئيس الحكومة حسان دياب انه وخلال الأيام القليلة الماضية، بيع في السوق نحو 10 ملايين دولار، لينخفض بذلك سعر الصرف مقابل الليرة السورية الى اقل من 2000. فهل يؤكد ذلك هروب هذه الدولارات الى هناك؟

في الحقيقة أدى ذلك الى تحرك أمني قضائي حيث تمّ تشكيل غرفة عمليات تابعة للمديرية العامة للامن العام لملاحقة كل من تسوّل له نفسه التلاعب بسعر صرف الدولار، فيما قرر القضاء ملاحقة مطلقي الشائعات التي من شأنها ان تمسّ بالأمن النقدي للبنان.

وبمقابل كل ذلك، يذهب جزء كبير من آليات الدعم التي يقوم بها مصرف لبنان، الى سوريا من خلال التهريب عبر المعابر غير الشرعية، ما يعني عملياً ان الودائع المتبقية في النظام المصرفي تمول اقتصادَين اثنين، وهو ما يُشرّع طرح سؤال بديهي حول قدرة استمرار هذا الاحتياطي الخجول بقدراته التمويلية الحالية، وماذا سيكون مصير قوت اللبنانيين في حال كهذه؟

فالدولار لم يعد متوفراً ما يعني ان عمليات الدعم لا يمكن ان تستمر، الامر الذي يهدد اكثر من أي وقت مضى خبز اللبنانيين… ودواءهم.

من المتوقع ان يضخ مصرف لبنان حوالى 30 مليون دولار لاكثر من اسبوع للصرافين من فئة “أ”(4 ملايين دولار يومياً)، إلا ان هذا الطرح يواجه صعوبات: اولاً لانه وبحسب عدد من الصرافين لم يضخ المركزي الكمية المتفق عليها خلال اليوم الاول، بدليل ان غالبية محلات الصيرفة عجزت عن بيع الدولار، ناهيك عن التعقيدات المنوطة بعملية الشراء من اوراق ثبوتية ومستندات مطلوبة، ما أنتج تسابقاً بين المواطنين المتهافتين لشراء الدولار.

كل ذلك يعني ان مصرف لبنان وحتى لو قام بضخ اضعاف هذه الكمية فهي لن تكفي وستمتصها الاسواق بسرعة، هذا إن لم تهرّب قبل ذلك الى سوريا.