ابتداء من اليوم، يبدأ الأميركيون تطبيق «قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات على سورية وحلفائها والمتعاونين معها اقتصاديا وسياسيا. والبداية مع تطبيق القسم الأول من مفاعيل هذا القانون الذي يشمل 4 مراحل من العقوبات حتى شهر اغسطس المقبل، ويعتبر قانونا متشعبا نصا وروحا وحمال أوجه في التفسيرات.. ومع أن «قانون قيصر» موجه بشكل مباشر الى سورية ويفرض عليها أعباء وتكاليف اقتصادية جديدة وعقوبات أقسى وأشد من السابق ستظهر انعكاساتها السلبية تدريجيا على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن لبنان معني مباشرة بهذا القانون الذي يفرض عقوبات للتعاون مع سورية تشمل قطاعات حيوية كثيرة، من تبادل تجاري وحركة ترانزيت والحركة المصرفية… ويمكن تعداد بعض أوجه انعكاسات وتداعيات هذا القانون على لبنان في النقاط التالية:
٭ «القانون» الجديد يضع لبنان، الذي يعاني أزمات حادة، أمام مرحلة جديدة من التحديات والضغوط المالية والنقدية الإضافية، بحكم التداخل القائم على الحدود اللبنانية ـ السورية والمعابر الفالتة، وانخراط حزب الله الى جانب النظام السوري، ووجود معاهدات موقعة بين الدولتين.
٭ «قانون قيصر» يعرض قطاعات كاملة وشخصيات كثيرة للعقوبات: مصارف، شركات مقاولات، أصحاب وكالات تجارية، وسطاء في الخدمات والتجارة، مكاتب هندسية، شخصيات متورطة في عمليات مالية أو نفطية أو كهربائية، وكل من يدخل في عملية اقتصادية أو مالية لإعادة إعمار سورية، وكل من يفتح خطا جانبيا مع النظام السوري.
٭ يلحق عقوبات بكل أشكال التعاون والتعامل و«البزنس» مع النظام السوري، بما في ذلك الحسابات في مصارف لبنانية لمسؤولين سوريين والحسابات المصرفية التي تضم ودائع على علاقة مع النظام، كذلك فيما يخص تعاون مصارف لبنانية مع البنك المركزي السوري.
٭ «يفرمل» العلاقة الرسمية بين الحكومتين اللبنانية والسورية والاندفاعة التي كانت حكومة دياب في صددها، ويلغي زيارة رئيس الحكومة حسان دياب الى دمشق، كما يضع المجلس الأعلى اللبناني السوري «على المحك».. وسيكون محظورا على الجيش اللبناني التعامل مع الجيش السوري.
شكل رئيس الحكومة حسان دياب لجنة وزارية خاصة برئاسة وزير الخارجية ناصيف حتي لدرس «قانون قيصر» وكيفية التعاطي معه وتأثيراته من كل الجوانب، خصوصا في نطاق عمل عدد من الوزارات والجانب التجاري والعقود الموقعة مع الجانب السوري، في محاولة لإيجاد هوامش واستثناءات تمكن لبنان من التصدي لأي تأثيرات سلبية عليه.
الحكومة محشورة في زاوية صعبة، من جهة ليست قادرة على تلبية كل ما يطلبه السيد حسن نصرالله وإغضاب الأميركيين.. ومن جهة ثانية ليست قادرة على التماهي مع الأميركيين، وبالتالي فتح مواجهة داخل الحكومة مع حزب الله الذي يضخها بمقومات الاستمرار.
وحسب مصادر وزارية مشاركة في هذه اللجنة، فإن الحكومة ليست أمام خياري قبول أو رفض «قانون قيصر»، وإنما هي ملزمة يايجاد صيغة توفق بين المحافظة على السيادة والمصلحة اللبنانية، ومراعاة خصوصية العلاقة مع سورية في ظل وضع متشابك جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وماليا.
الحكومة فتحت باب النقاش حول «قانون قيصر» في ظل وضع دقيق وحساس يضع لبنان أمام اختبار غير مسبوق في تاريخ العلاقة مع النظام السوري، وهي تبحث عن حل وسط لا يؤدي بها الى انقسام داخلي، وعن تأمين تفاهم وتوافق سياسي وحزبي لدرء أخطاء هذا القانون عن الحكومة وشل قدراتها.
لم «يستسغ» حزب الله توزيع نسخ عن القانون في مجلس الوزراء بمبادرة من وزيرة الدفاع منسقة مع رئيسي الجمهورية والحكومة، ولا يرحب الحزب بأي نقاش حكومي بشأن قانون عقوبات على سورية، لبنان غير معني به رسميا وبالتالي لا حاجة ولا ضرورة لإعطاء هذا الموضوع طابعا رسميا، ولأن تكون الحكومة معنية بتقديم الأجوبة للأميركيين بالموافقة أم الممانعة. وكان بالإمكان عقد اجتماعات غير رسمية مع الوزراء المعنيين ووضع ملاحظاتهم حول كيفية تجنب أي عقوبات أميركية، في ظل عدم القدرة على قطع العلاقة الحيوية بين لبنان وسورية.
ربط حزب الله بين «قانون قيصر» وحملة الضغوط والتضييق عليه، ومنها رفع شعار نزع سلاحه وتطبيق القرار 1559، والتهديد بالعقوبات على حلفائه، والابتزاز في ملف «اليونيفيل»، ورهن أو ربط نجاح التفاوض مع صندوق النقد الدولي بتنازلات سياسية.. والحزب لن يقبل بأي التزام تقدمه الحكومة أو أي جهة لبنانية رسمية الى واشنطن بتطبيق «قانون قيصر»، وهو ما يهدد العلاقة اللبنانية ـ السورية من جهة، ويضعف موقع لبنان التفاوضي مع صندوق النقد، ويفسح في المجال أمام فرض شروط أميركية سياسية عليه.