كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
دخل قانون “قيصر” حيّز التنفيذ الفعلي اليوم، ومعه تبدأ مرحلة جديدة من التعاطي الأميركي مع نظام الرئيس بشار الأسد. يبحث لبنان عن خشبة خلاص من كماشة العقوبات الأميركية من جهة ومن النفوذ الإيراني المتمادي الذي يجلب العقوبات من جهة أخرى، وبالطبع فإن إضعاف النظام السوري سيؤثّر إيجاباً على المطالب السيادية للشعب اللبناني.
تحرّك الخارجية
وفي هذه الأثناء ما زالت الحكومة اللبنانية تدرس عبر اللجنة التي شكّلتها كيفية التعامل مع “قيصر” من دون ان تصل إلى قرار واضح في هذا الشأن، وعلمت “نداء الوطن” أن اللقاء الذي سيجمع اليوم وزير الخارجية ناصيف حتّي مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، هو لمتابعة تداعيات “قيصر” ولإستكمال لبنان الرسمي الإستفسار عن هذا القانون وكيفية التعامل معه، في حين أن الخارجية لن تبلغ شيا أي موقف مؤيّد أو معارض بل إنها ستتعامل معه وفق ما تقتضي المصلحة اللبنانية، لأن هدف الحكومة هو تأمين المصالح الوطنية في ما خصّ العلاقات مع سوريا، وفي الوقت نفسه عدم الظهور بمظهر المتصدّي للأميركيين.
وبعيداً من الموقف السياسي، فإن النظر من الناحية القانونية لهذا القانون يثير الريبة، خصوصاً إذا ما قررت بعض الجهات الحزبية جرّ لبنان إلى مواجهة مع الأميركيين.
وفي السياق، فقد بدأ مسار العقوبات الأميركية على سوريا منذ العام 1979، وارتفع منسوبها بعد مجزرة حماة، لكن تلك العقوبات كانت تشمل الداخل السوري وليس دول الجوار، وكان الرئيس الراحل حافظ الأسد يلعب على تناقضات المنطقة والسياسة العالمية. ويتعرّض من يخرق قانون “قيصر” إلى عقوبات تشمل تجميد أصول في المصارف ومنع الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الطبيعة القانونية لـ”قيصر”
ولا بدّ من بحث الناحية القانونية في تداعيات “قيصر” وإذا ما رفض لبنان تطبيقه، وفي هذا الإطار كان لـ”نداء الوطن” حديث مع الوزير السابق زياد بارود الذي يتابع مجريات هذا القانون.
ويتحدّث بارود عن الطبيعة القانونية لـ”قيصر”، إذ يشير إلى أنه صادر عن دولة هي أميركا وليس قراراً أممياً صدر عن مجلس الأمن الدولي، لكن الإمكانات الضخمة والعالمية لواشنطن تسمح بتطبيقه وتجبر الجهات المعنية الإلتزام به.
ويوضح بارود أن “الفرق بين “قيصر” وبقية القوانين السابقة التي هي من طبيعته أنه وسّع دائرة العقوبات لكنه يحتمل التأويل، إذ إن نصّه الحرفي ليس دقيقاً في تحديد لائحة العقوبات والإستثناءات، فهذه العقوبات في المبدأ تشمل الأفراد الداعمين للنظام السوري سواء كانوا سوريين أو غير سوريين، وكذلك الشركات التي تتعاون وتقدّم الدعم للنظام السوري، فالعقوبات ستشمل كل المتعاملين في قطاع الطاقة والغاز، والدعم العسكري، وشركات الطيران وقطع غيار الطائرات، والشركات التي كانت ستدخل في إعادة إعمار سوريا، وبالتالي فإن كل دول الجوار ستتضرر وليس مقصوداً لبنان لوحده”.
تداعيات شاملة
وبما أن هذا القانون سيُطبّق على 4 مراحل وسيبدأ برجال الأعمال والشركات التي تموّل النظام السوري، إلا أنه سيتطوّر في المراحل اللاحقة حيث ستكون كل دول الجوار السوري تحت نيرانه، في حين أن المتضرر الأكبر هي الشركات الروسية والصينية والإيرانية، وأيضاً الشركات الأوروبية التي بدأت الإستثمار في سوريا والتي لها مصالح مع النظام أو كانت متحمسة للمشاركة في إعادة الإعمار.
نقاط قانونية
وبالنسبة الى تردداته على الداخل اللبناني وكيفية تعاطي الحكومة معه، فيقول بارود: “حسناً فعلت الحكومة بتأليف لجنة لدراسته لأنه لا يمكنها التعامل معه وكأنه غير موجود”، ويلفت بارود النظر إلى نقاط مهمة قد تُسبب مشاكل إذا لم ندرسها قانونياً وهي:
أولاً: التعامل مع هذا القانون كمن يسير في حقل ألغام، وقد ينفجر اللغم في أي لحظة، لذلك على الشركات والمؤسسات والأفراد والدولة اللبنانية قراءته بتأنّ وعدم الإستخفاف به كي لا تدفع الثمن.
ثانياً: يجب الإنتباه إلى الإستثناءات في هذا القانون، لكن الصعوبة في ذلك تكمن في ان تلك الإستثناءات يعود تحديدها للرئيس دونالد ترامب، فعند صدور قرارات من هذا القبيل تخص الوضع العراقي كانت عملية إستيراد المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية معفاة من العقوبات، لكن هناك نقاط مخفية في “قيصر” قد تعرّض بعض الشركات لعقوبات، لذلك على المؤسسات اللبنانية والدولة أخذ الخطوات بعد وضوح الرؤية، في حين يجب معرفة مصير المشاريع التي كانت إنطلقت قبل أن يصبح هذا القانون نافذاً وكيف سيتعامل “قيصر” مع هذه النقطة.
ثالثاً: على الدولة اللبنانية أن تعرف مصير بعض النشاطات الإقتصادية المرتبطة بسوريا، لأن المصرف المركزي السوري موضوع على لائحة عقوبات “قيصر”، لذلك على الحكومة أن تعرف كيف سيتم التعامل مع هذه المسائل.
ومن أجل وضوح الخيط الأبيض من الأسود سيتكثف التواصل اللبناني مع السفارة الأميركية لأجل فهم ماذا سيحصل، وطلب إستثناءات في ما خص الملفات الحيوية التي تهمّ لبنان مثل قضية إستجرار الطاقة من سوريا، في حين أن مسألة التهريب ليست مرتبطة فقط بـ”قيصر” لكن الدولة قد تتعرّض لعقوبات في حال لم تستطع ضبط التهريب، الذي يساهم في خرق مندرجات هذا القانون ويزيد من إفقار الشعب اللبناني”.
إلتزام وإلا…
ويشدّد بارود أيضاً على أن “المصرف المركزي والحكومة يجب أن يعرفا ما هو مطلوب منهما بالنسبة إلى هذا القانون، ففي حال طلب الأميركيون مثلاً وقف تهريب الدولارات إلى سوريا يجب عليهما اتّخاذ التدابير الآيلة إلى الحد من هذه العملية وإلا ستكون العقوبات جاهزة، علماً ان “المركزي” كان دائماً متجاوباً مع الطلبات الدولية ويطبق القوانين وأهمها قانون مكافحة الإرهاب رقم 44/ 2015 الصادر العام 2015، وبالتالي فإن لبنان لم يكن في مواجهة مع المجتمع الدولي وواشنطن.إذاً، فإن قانون “قيصر” حمّال أوجه كثيرة والتعابير المستخدمة فيه واسعة، ومن المرجح أن تدرس كل حالة بحالتها، لكن الأساس يبقى عدم تقديم الدعم العسكري والإقتصادي، لذلك يعتبر بارود أن مروحة العقوبات قد تتوسّع لتشمل مسؤولين لبنانيين ومن دول الجوار حسب نشاط كل شخص، من هنا فإن هناك بعض الشخصيات اللبنانية “ضربت فرام”، في وقت أن من ليست لديه مصالح مع أميركا وليست له حسابات في المصارف لن يتأثّر”.
الزيارات الرسمية
وماذا عن الزيارات الرسمية إلى سوريا وأبرزها زيارات المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم، فهل من الممكن أن تشمله العقوبات في حال أكمل مهامه، يجيب بارود عن هذه النقطة، ويلفت إلى ان “إبراهيم مسؤول رسمي، وهو يذهب إلى دمشق كموفد رئاسي مكلّف من قبل رئيس الجمهورية، ويقوم بحل بعض المسائل العالقة وحتى بعض الملفات الإنسانية، وهو يقوم بهذه المهمة قبل قانون “قيصر”، وطالما انه لا يقدّم دعماً عسكرياً إلى النظام السوري أو أي دعم آخر فمن المستبعد أن تشمله أي عقوبات”.
لكن بارود يؤكّد في المقابل أن العقوبات لا تقتصر على الشركات والأفراد فحسب، بل قد تشمل دولة من دول الجوار في حال قدّمت مساعدات عسكرية أو خرقت بنود قانون “قيصر”، لذلك لا يمكن الإستخفاف بهذا القانون.
ويرى بارود أن مسألة العقوبات على “حزب الله” تسير بمعزل عن قانون “قيصر” وليست مرتبطة به مباشرة لأن هذا القانون يستهدف النظام السوري، لكن ذلك لا يعني ان هذا القانون لن يترك ترددات على الجميع.