كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
أقفلت بلدية الغبيري بتاريخ 11 حزيران 2020 حضانة WEE CARE التي تقع ضمن نطاقها البلدي لمدة 48 ساعة، بسبب عدم سماح إدارة الحضانة للهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله”، بإجراء الكشف الدوري على المؤسسات في نطاق البلدية، لا سيما أن “الحزب” لا يملك قانوناً حق الكشف من وزارة الصحة. أخيراً، ورغم التبريرات إضطرّت البلدية إلى الخضوع لسيادة القانون، ولم يُسمح إلا لأعضاء البلدية بدخول الحضانة بعد تقديم بطاقات الهوية الخاصة بهم، ووجدوا أن المؤسسة قانونية ومتوافقة مع المعايير الصحية.
كانت رياض الأطفال في لبنان على موعد مع فتح أبوابها في الثامن من الجاري لاستقبال 25% من قدرتها الاستيعابية، على أن تواكب فرق الصليب الأحمر هذا الإجراء مع البلديات، بالاتفاق مع وزارة الصحة، لمساعدة المسؤولين في الحضانات والتأكّد من تطبيق تعليمات الحماية الموضوعة من قبل الوزارة والنقابة، لضمان سلامة الأطفال والمتواجدين في الحضانة وعائلاتهم. وإذ، فوجئت الموظفة “زينب” من حضانة WEE CARE بحضور ممثلة عن الهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله” برفقة فريق بلدية الغبيري بهدف الكشف على الحضانة. فطلبت منهم إبراز أي ورقة قانونية أو تفويض صادر عن هيئة تنفيذية رسمية أو الوزارة، يتيح لهذه الهيئة الحزبية الإشراف على عمل رياض الأطفال وتقييمها، مشدّدة على ضرورة إستيفائهم صيغة قانونية للدخول الى المؤسسة.
تكليف وزارة الصحة 2019
إلى ذلك، لم يكن لدى ممثلة الهيئة الصحية أي ورقة رسمية تخوّلها الدخول والكشف أو الإطلاع على مستندات إدارية تحتوي على معلومات خاصة بالإدارة، موظفيها، أطفالها وعائلاتهم. فرفضت إدارة الحضانة رسمياً هذا الطلب لتجاوزه حدود التعاون وتعدّيه على خصوصية المؤسّسة والأفراد. وما كان من مندوبة بلدية الغبيري إلا أن توعّدت الإدارة بإقفال الحضانة، إن لم يُسمح لمندوبة الهيئة الصحية التي تمثل “حزب الله” بالدخول والكشف. وعليه، أقفلت الحضانة بعد ساعات.
ويقول علي هيدوس، وهو ابن صاحبة الحضانة لـ”نداء الوطن” إنهم كانوا في السنوات السابقة كحضانة موجودة في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية، “مرغمين” على الإمتثال للقانون والتعاون مع “الهيئة الصحية التابعة لحزب الله” رغم أنها جهة حزبية وغير رسمية، كونها كانت تحمل تكليفاً وتفويضاً رسمياً من وزارة الصحة في سنة 2017، وآخر في سنة 2019. ولكن، عند زيارتهم الأخيرة فشلت المندوبة في ابراز التفويض لسنة 2020، إذ يبدو أنه لسبب ما، لم يتم تجديد التفويض فكان لدينا الحق الشرعي والقانوني برفض تجاوز القانون”.
وأكمل هيدوس: “لو تمّ ابراز تكليف من الوزارة، فحتى لو علمنا أنهم جهة حزبية، كان من واجبنا أن نلتزم ولو على مضض، ولكن للأسف فائض السلطة دفعهم للحضور إلى مؤسستنا “إيدهم فاضية”، متوقعين من الجميع التعاون والسكوت عن الحق، فرفضنا ذلك، احتراماً منا لسيادة دولة القانون والمؤسسات. فالمفروض أننا نتعامل مع دولة رسمية وألا تنطبع مؤسساتنا الخاصة بطابع حزبي أو حركي. وقد تمّ اقفال حضانتنا لمدة يومين من دون وجه حق، وقامت بلدية الغبيري بالتشهير بمؤسستنا على موقعها الرسمي على تطبيق “فايسبوك” كما في بعض الوسائل الإعلامية”. وأردف: “بكل صراحة، تعاملنا سابقاً مع الهيئة الصحيّة التابعة لحزب الله عبر حضورنا دورات تدريبية أجرتها بموجب طلب من جهات رسمية، وكنّا على تعاون كامل وعلى استعداد دائم للتجاوب مع أي جهود تحسّن أداء موظفينا ووضع الحضانات بشكل عام. هذا الأمر إن دلّ على شيء، فهو يدل على تعاوننا السابق وعدم وجود أي نوايا مبيّتة او إصطفافات سياسيّة. لكن كان تعاوننا محصوراً بالقوانين، لحين إتخاذ هذا التعاون شكلاً من أشكال الهيمنة على الأمور الإدارية للحضانة، ومطالبة الهيئة الحزبية المذكورة إدارة الحضانة بالإطلاع على مستندات إدارية تحتوي على معلومات خاصة بالإدارة، موظفيها، أطفالها وعائلاتهم. وبالتالي، أهلاً وسهلاً بكلّ من يخوّله القانون اللبناني الدخول والكشف على مجريات عملنا، بشرط التزامه بالاصول والقوانين”.
وتابع: “الحضانة ملك الوالدة، وأنا مغترب وبالصدفة كنت في لبنان هذه الفترة ولم استطع تحمّل هذا التجنّي. وكرجل يعتني بأسرته ويدافع عن الحقيقة، أدرك أننا كنا أقوياء بما فيه الكفاية لإجبار بلدية الغبيري على التراجع عن قرار الإقفال. ولكن المخيف في الأمر، أن الهيئة الصحية التابعة لحزب الله قد جالت ولا تزال تجول على رياض الأطفال الموجودة ضمن الضاحية الجنوبية كلها، في الغبيري وغيرها بلا أي مسوّغ قانوني لذلك وبتغطية من البلديات الرسمية. كما أن ما حدث معنا يمكنه أن يحدث مع المؤسسات غير المستقرة مالياً وغير القادرة على التصدي علناً لهذه التجاوزات، ومن المهم تسليط الضوء على هذا الأمر تحديداً، فقد حان الوقت لأن يدرك الناس أنه لا يتم بناء الدولة سوى بسيادة القانون وأن للفساد أوجهاً متعددة منها “السلبطة”، وعلينا أن نحارب الفساد من دوائرنا الصغيرة”. وختم: “هذه فيدرالية مقنّعة طبعاً، فمن غير المقبول أن يكون لكل حزب قدرة إدارة مؤسسات منطقته من بلديات إلى مراكز صحية”.
بيان بلدية الغبيري
ضجت وسائل التواصل الإجتماعي بالخبر، وانهالت التعليقات المندّدة بتدخل “حزب الله” في شؤون كل المؤسسات الموجودة في الضاحية الجنوبية تحت غطاء وإسم “الهيئة الصحية”. فكتب جواد زراقط: “أنا مع وحدة الصف حتى آخر نفس لما فيه من مصلحة عامة ولكن عندكم عناصر تسيء وتضر بالصورة العامة. فمن غير المقبول أن نستفيق كل يوم على “قصة” وأن نشاهد تباعاً فيديو لأحدهم يشكو من منعه من المرور في المنطقة وفيديو آخر لشخص يتأفف من كذا وكذا، ومنشورات يومية فقط بسبب “فائض قوة ما قادرين “تنفسوها” على حليف فتظهروها على أخيكم في الوطن. لا يمكنكم الإستمرار على هذا المنوال”. وقالت ليلى رضا: “معيب بحق بلدية الغبيري هذا التصرّف التعسّفي بخاصة أن سبب اغلاق الحضانة كان سياسياً، ونرجو من المسؤولين في البلدية إعادة النظر بهذا القرار”.
من جهتها، هدّدت بلدية الغبيري باتخاذ صفة الادعاء الشخصي، باسم بلدية الغبيري والإدعاء على كل من قام بالتعليق على الحادثة. كما وطلبت من كل من قام بأي تعليق فيه إساءة للبلدية والعاملين فيها وللهيئة الصحية الإسلامية التابعة لـ”حزب الله” والعاملين فيها، بحذف التعليقات فوراً، ومن تاريخ ووقت نشر البيان محتفظين بحقهم باتخاذ كافة الإجراءات القانونية.
كما اتهمت البلدية إدارة الحضانة بالخروج عن المهنيّة والموضوعيّة ونشرت بعض القرارات الصادرة عن وزاره الصحة، التي تجيز للهيئة الصحية الإسلامية بالإشراف والتصنيف لدور الحضانة عامي 2017 و2019، ولكن من دون أن تنشر أي مستند قانوني صادر عن سنة 2020. وأشارت البلدية إلى أن “الحضانة سبق أن تعاملت مع بلدية الغبيري والهيئة الصحية الإسلامية، عبر المشاركة في الأنشطة والدورات التدريبية”، وهو أمر لا يمت لأصل المشكلة بصلة.
أما المثير للريبة في البيان الرسمي الصادر عن البلدية هو اسلوب الإجبار المطروح، إذ ذكر البيان أنه “إنطلاقاً من المسؤوليات، فإن واجب بلدية الغبيري، الكشف على جميع دور الحضانة مع “من تراه مناسباً”، وبحسب الاختصاصات، ولبلدية الغبيري السلطة القانونية في إدخال أي “جمعية أو مؤسسة لها خبرة، في أي ملف، وإلى أي مكان، لتحقيق الأهداف من وراء هذا الإشراف”، لافتة إلى أن “الهيئة الصحية الإسلامية، لها شراكة مع العديد من الوزارات والبلديات والجمعيات الدولية، في المجالات الصحية والتربوية، التي تعنى بالجانب الصحي والتربوي والنفسي”، وهو تصريح واضح أنه حتى لو لم يتمّ تكليف الهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله” بأمور الكشف… ستكلفها البلدية بذلك!
والمؤسف أن في المستندات التي أبرزتها البلدية والصادرة عن وزارة الصحة عامي 2017 و2019، إعطاء الدولة اللبنانية للهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله” تفويضاً كاملاً في “تحديد الإحتياجات الصحية لدور الحضانة ضمن نطاق الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي يتضمن تصنيفاً أولياً للدار من قبل فريق الهيئة وفق المعايير والشروط المنصوص عليها في القرار 4876″، وتكليفها بإجراء “تصنيف نهائي مشترك مع الوزارة، كما يبنى على تقرير الهيئة، التابعة لحزب الله، قرار تجديد الترخيص للحضانات”، وهكذا يتم إعطاؤها كامل القدرة على ابتزاز من لا يمتثل لهم ولقراراتهم!