هذه ثالث «طاولة حوار وطني» منذ العام ٢٠٠٦: الأولى انعقدت عام ٢٠٠٦ في عهد الرئيس إميل لحود ولكن في مجلس النواب برعاية وإدارة الرئيس نبيه بري، والثانية انعقدت في عهد الرئيس ميشال سليمان عام ٢٠١٢ برئاسته في بعبدا.
والثالثة هي التي دعا إلى عقدها الرئيس ميشال عون الأسبوع المقبل يوم ٢٥ يونيو الجاري.
وهذه ثالث طاولة حوار تلتئم في قصر بعبدا بدعوة من الرئيس عون، وفي فترة أقل من سنة. في سبتمبر ٢٠١٩ انعقدت «طاولة حوار» خصصت لمناقشة الأزمة الاقتصادية المالية وكيفية مواجهتها، وكانت هذه أول مرة ينحصر الحوار في الملف الاقتصادي والمالي، بعدما كانت السياسة مهيمنة وكانت الاستراتيجية الدفاعية بندا رئيسيا.
وأطلق حوار سبتمبر أول مؤشر الى تفاقم الأزمة الاقتصادية وبلوغها مستويات متقدمة، والى قابلية الوضع الداخلي للانفجار، وهذا بالفعل ما حدث في ثورة ١٧ اكتوبر الشعبية… وفي مايو ٢٠٢٠ (الشهر الماضي) انعقدت طاولة حوار في قصر بعبدا تحت عنوان اقتصادي بحت، وهدف حصرا الى تأمين الدعم والغطاء السياسي لخطة الحكومة الاقتصادية التي على أساسها سيجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولقرارات غير شعبية وموجعة يجب أن تتخذ… وشكل هذا الاجتماع مؤشرا الى إرادة ورغبة لدى الرئيس عون للتدخل في الملف الاقتصادي المالي ومتابعته شخصيا عبر اجتماعات مالية واقتصادية متكررة.
ما يختلف في الدعوة الرئاسية الثالثة أنها تتم تحت عنوان «طاولة حوار وطني» لن يكون محصورا بالأزمة والخطط الاقتصادية والمالية، وإنما يتجاوزها الى البحث السياسي في مجمل الظروف والتطورات، وفي أزمة متشعبة و«سياسية» في العمق، ما يختلف أيضا هذه المرة أن الطاولة توسعت ودعي إليها رؤساء الجمهوريات والحكومات السابقون، وهو ما يحصل للمرة الأولى وسط توقعات بأن يغيب الرئيس إميل لحود ويحضر الرئيسان أمين الجميل وميشال سليمان، وبأن يشارك الرئيس سعد الحريري لتصحيح خطأ ارتكبه في المرة السابقة واستجابة لنصيحة الرئيس نبيه بري.
إذا كان الرئيس عون هو صاحب الفكرة والدعوة وتشاور بها مع رئيسي المجلس والحكومة قبل لقاء بعبدا الثلاثي وفي خلاله… فإن الرئيس نبيه بري هو «عراب» الحوار المستجد ويلعب دورا سياسيا محوريا في تأمين ظروف ومقومات نجاح هذا الحوار الوطني وتذليل العقبات التي يمكن أن تعترض انعقادها، لا سيما لجهة المشاركة والحضور وتفادي الوقوع في «ثغرة» لقاء الشهر الماضي الذي افتقد «الميثاقية السنية»، وكاد أن يقتصر على لون سياسي واحد لولا مشاركة د. سمير جعجع… بري هو نجم المرحلة ومن يتقن إدارة التناقضات والتوازنات ويبرع فيها: ينسق مع حزب لله، يتفاهم مع باسيل، يستفز دياب، «يستوعب» الحريري، يصالح الدروز… ويحمي رياض سلامة.
أن يدعو رئيس الجمهورية الى حوار وطني هذا يعني أنه يستشعر خطرا محدقا بلبنان وتطورات مقلقة آتية تدعو الى إقفال النوافذ والفجوات، والى عملية تحصين داخلية استباقية… ويعني أيضا أن حكومة حسان دياب ليست قادرة على حمل أعباء المرحلة ومواجهة الأزمة الخطيرة، خصوصا بعدما أخفقت في الامتحان وأضاعت الفرصة وفترة السماح بعدما طوقتها وصادرتها الانقسامات والتجاذبات السياسية، ومن الحلفاء والشركاء أكثر من الخصوم والمعارضين.
وبالتالي صار لزاما تعويم هذه الحكومة ومدها بجرعة دعم إضافية وإحاطتها بشبكة أمان سياسية إذا كان متعذرا فتح الملف الحكومي في هذه المرحلة… ولكن الحوار الوطني الذي يعكس إقرارا ضمنيا بفشل الحكومة ووصولها الى حائط مسدود يعكس أيضا إقرارا ضمنيا بالحاجة الى حكومة جديدة، حكومة وحدة وطنية يمكن أن تكون «حكومة أقطاب»، ومن دونها لا إمكانية لمواجهة الأزمة ولا قدرة على اتخاذ قرارات سياسية صعبة وسريعة، ولا إمكانية لاستمرار العهد الى نهايته… القرار في شأن حكومة جديدة متخذ… والمسألة مسألة وقت وإخراج وظروف ملائمة.