كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
آخر نقطة دم درزية سقطت عام 1711 في معركة عين دارة، إثر الخلاف القيسي ـ اليمني، وانتهت المعارك الدموية الدرزية ـ الدرزية مذذاك الحين الى غير رجعة، ولم يعد هناك معارك بين الدروز يصل حدّها الى إهدار الدم، كما حصل لسائر الطوائف، كالطائفة المسيحية، إن بين «القوات» و«العونيين»، وداخل الطائفة الشيعية بين حركة «أمل» و»حزب الله». فتاريخ الطائفة الدرزية لم يشهد منذ 300 عام اي خلافات دموية الى أن وقعت احداث قبرشمون.
يقول البعض، إنّ المصالحة الفعلية بين العهد ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بدأت مع الدعوة الى الغداء التي وجّهها الرئيس ميشال عون الى جنبلاط، فلبّاها مع العائلة في قصر بيت الدين. ويرى هذا البعض، انّ عون كان في استطاعته لو أراد، إستكمال المصالحة الدرزية – الدرزية، خصوصاً مع النائب طلال ارسلان و جنبلاط، إثر الخلافات التي نشأت في عهده بين الزعيمين. ويعتبر هؤلاء، انّه كان في إمكان عون لعب ذلك الدور الجامع، ليس بصفته فقط «بيّ الكل»، بل لأنّ الأحداث بين الطرفين الدرزيين تسبّب بها خرق صهره، أي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، مشهدية الجبل ووحدة الطائفة الدرزية.
إلّا انّ مصادر مواكبة للمصالحة التي تمّت بين جنبلاط وإرسلان برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، أشارت الى انّ الأخير هو المهيّأ أكثر في المرحلة الراهنة لإتمام هذه المصالحة، أقلّه على المستوى الشخصي، إن من جهة علاقته بجنبلاط أم لجهة علاقة الاخير ببري. إذ يذكر الجميع كيف كان بري يقارب ويقابل مواقف جنبلاط التصعيدية ازاء فريق الثامن من آذار و»حزب الله» تحديداً، فكان يمارس دور «المدوزن» لإيقاع جنبلاط وتهدئة روعه، فيما كان الأخير يقرّ «بعد الغضب»، بأنّ «ابو مصطفى» يمون.
وربما أبرز ما قام به جنبلاط كرمى لبري، هو تغطيته جلسة الثقة لحكومة الرئيس حسان دياب، التي لم يكن لينالها لولا حضور نواب الحزب التقدمي الاشتراكي ليكتمل النصاب، ولو لم يتمّ الامر لكانت سقطت بـ»الضربة القاضية» أمام الثورة التي كانت في اوجّها حينذاك، حيث كان الثوار يكمنون لها في محيط المجلس يوم جلسة الثقة الشهيرة.
تؤكّد اوساط «الاشتراكي»، انّ بري ينجح دائماً في ايجاد المخارج للمآزق. ولا تنفي انّ جنبلاط ينفّذ لأنّه يقتنع بصوابية قرارات صديقه، لما تربطه به من علاقات قوية وتاريخية، على عكس العلاقة بين زعيم الجبل مع عون ومع العهد تحديداً، بعد أن تنبّأ جنبلاط بالـ«تسونامي» الآتي على لبنان حتى قبل وصول العاصفة الى عقر داره في الجبل.
اما العوامل التي ساعدت في نجاح المصالحة، فتتمثل في مونة بري أيضاً على ارسلان، النائب غير المشاكس في مجلس النواب، والذي بدوره وبالعبارة الصريحة لم يتردّد في تدعيم علاقته مع العهد على حساب وحدة الطائفة الدرزية والمصالحة وزعزعة أمن الجبل.
الأمر نفسه يمكن تسجيله بعد حادثة مقتل مرافق الوزير السابق وئام وهاب، محمد أبو ذياب. إذ أنّه وعلى الرغم من التغطية الاعلامية التي واكبت الحدث وتفاصيل مجريات العزاء مباشرة على الهواء على مدى ايام متتالية، لم ينجح معها التصعيد الاعلامي في تأجيج الخلافات بين أبناء الطائفة الواحدة سوى لفترة محدودة. كما انّها لم تدم، بدليل أنّ خطاب وهاب اليوم أكثر مهادنة تجاه جنبلاط، واقل استفزازاً من الخطابات السابقة ابّان الأحداث الدموية التي طاولت أيضاً انصار ارسلان. وهذا يدلّ الى أنّ المسلمات الدرزية من ضرورة عدم تأجيج الدم الدرزي – الدرزي، نجحت في توحيد صفوف الطائفة الدرزية وتفوقت على مصالحهم السياسية الشخصية، وذلك استجابة لوصية مشايخها الكبار، كالشيخ ابو حسن عارف والشيخ ابو محمد جواد، اللذين أوصيا بعدم إعتداء الدروز على الغير، وعدم السماح للغير بالاعتداء عليهم أو على المناطق الدرزية والردّ على اي اعتداء يطاولها.
أوساط المعارضة، التي ما زالت ترفع شعارات فريق الرابع عشر من آذار، تؤكّد «انّ العبرة في مشهدية المصالحة لا نستخلصها من علاقة الثنائي بري – جنبلاط، بل تكمن في الحالة السياسية – الشيعية، التي أضحت طاغية على كافة الحلول للمشكلات وللملفات اللبنانية العالقة، في القضاء (القاضي علي ابراهيم) وفي الامن (اللواء عباس ابراهيم) وفي المصالحة (الرئيس نبيه بري). وتضيف تلك الاوساط، انّ «المفاصل الامنية» التي تمسك بها «الشيعية السياسية» في لبنان منذ التسعينيات «هي اكثر اهمية من المفاصل السياسية».
أما المجتمع المدني، فتقيّم أوساطه المصالحة الدرزية من منطلق أنّها تأتي كالعادة مثل غيرها من المصالحات، فتضرب هيبة القضاء ودوره وعمله عرض الحائط. وتلفت الى انّ المصالحات في لبنان تتمّ دائماً «على ضهر القانون». ومتسائلة عن «مصير عائلات الضحايا التي تصالح الافرقاء السياسيون على حساب أولادها»… و«هل من المقبول ان تدفع الضحية الثمن في حياتها وبعد مماتها؟».
وتشير مصادر قريبة من جنبلاط، الى «انّ التوقيفات بين الأفرقاء الدروز في أحداث الجبل الأخيرة ما زالت عالقة، وهي في حاجة الى دفاع ومحامين، وقد تستغرق اكثر من 10 سنوات». لافتة الى «انّ جنبلاط يتبع مرحلياً فلسفة zero problem مع الجميع، فهو لا يريد مشكلات لا مع المسيحيين ولا مع الدروز ولا مع الشيعة، ولا يهوى الدخول في مشكلات الطائفة السنّية».
ولمّحت تلك المصادر، الى «انّ الوجه المدني للطائفة الشيعية يمثله اليوم الرئيس نبيه بري، واستطراداً القاضي علي ابراهيم واللواء عباس ابراهيم، أما «بي الطائفة الشيعية وأمها، فهو واحد اسمه حسن نصرالله»، وهو الذي يوجّه التعليمات والرسائل عبر الاثير الى الرئيس عون ورئيس الحكومة حسان دياب والى رئيس المجلس النيابي والى القضاء والجيش وقوى الامن».
وعلّقت هذه المصادر على «عودة الكلام عن الامن الذاتي التي تحدث عنها بعض السياسيين في خطاباتهم»، قائلة: «لماذا لا يُمنع «راكبو الدراجات «من الأساس من النزول الى المناطق والأحياء الحساسة من قِبل الذين يعلنون عن عودة الامن الذاتي، خصوصاً وانّهم يمونون عليهم… فإذا كانوا فعلاً يملكون تلك المونة فلن يحتاج أي فريق للجوء الى خيار التسلّح بالأمن الذاتي».
النائب مروان حمادة قال لـ«الجمهورية»، «إنّ زمن التشبيح ولّى»، متوقعاً «طوفاناً سيجرف الحكومة والعهد معاً على حدّ سواء» وقال: «زمن التشبيح ولّى، والجميع خاض تلك المرحلة وجميعنا «أكلناها»، وأنّ كل «تشبيح» داخل لبنان على حساب المجموعة والعيش المشترك مصيره «الحساب» يوماً ما»، لافتاً الى انّ الطوفان لا يستثني احداً من الطوائف بدءاً من الدروز، الذين نالوا نصيبهم في القرن الثامن عشر، وكذلك المسيحيين في القرن العشرين، عندما رحل الفرنسيون، وايضاً السنّة عند رحيل عبد الناصر وابو عمار…» ، متنبئاً من «إنّ الشيعة على الطريق وسيصلهم الدور»، بحسب تعبيره.
ولفت حمادة الى «انّ أي جهة اليوم لن يكون في إستطاعتها القضاء على العيش المشترك في لبنان، وحين تحاول أي جهة تفصيل البلد على قياسها ولخدمة طموحها ستدفع الثمن وسيأتي دور نهايتها».